گزیده ای از مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين(شواهدالربوبیه ص283 تا 342)

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين ، شواهد الرّبوبّية  ص:  283تا342

بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذى جعل نور معرفته نتيجة ايجاد الارواح و الاجساد، و تجلّى بقدسه لقلوب العارفين باسرار المبدأ و المعاد، و اوحى في كل سماء امرها لادارة المتجسدة الكوكبية ليتنوّر بها هذه البقاع و البلاد، و ينشأ منها تعمير الارض بالحيوان و النبات و الجماد، و الغرض الاصلى منها نشوء الآخرة بخلقة الانسان ليستكمل بنور العلم و الايمان، و يعمل بما يجرده عن الاكوان، و يستعد لمجاورة الرحمن، و انما خلق من فضالته سائر المركبات من الاركان، فسبحان من فاطر ما اقدسه و اعظمه! فاشكره على نعمائه المترادفة المتصلة، و آلائه المتتالية المتوافرة، و استعيذ «1» به من مس الشيطان في تحرير هذه العجالة، و اصلّى على نبيّه و آله المطهرين عن ارحاس الخواطر المضلّة، المحروسين في سماء قدسهم و طهارتهم عن طعن اوهام الجهلة الضالة.

و بعد، فهذه «2» موجز «3» اشارات الى جواهر نفيسة زاهرة، و تلميحات [الف- 1] الى فرائد ثمينة باهرة، ترشحت بامداد فضل اللّه العزيز المنان في سحاب عالم العقل و الجود و الاحسان، و ترسخت و انعقدت في صدف النفس الناطقة بالصدق و

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 284

الايقان، ثم استخرجت بوساطة غوامض القوة الفكرية من قعر بحر الحكمة الى سواحل النطق و البيان، ثم ثقبت «1» الناطقة «2» كلّا منها بمثقب التدبير و التحقيق و قوة التأمل و التدقيق، حتى اتسمت بسمة الاتساق و الانتظام، و اتصفت بصفة الائتلاف و الالتيام، و صارت بحمد اللّه صالحة لان تكون سبحات يسبّح بها المسبّحون في جوامع القدس، او قلائد يتزين بها الحور العين في مجامع «3» الانس.

فاقول و انا الفقير محمد الشهير بصدر الدين الشيرازى- نور اللّه بصيرته و شرح صدره-: انى بفضل اللّه و تأييده و حسن هدايته و تسديده قد اطلعت بسبب كثرة المراجعة الى عالم الامر، و العكوف على باب الافاضة «4» و الرحمة، و طول المهاجرة عما اكبّ اليه «5» الجمهور و تلقّفوه «6» كما هو المشهور على مسائل شريفة الهية و غوامض لطيفة سبحانية، قلّما تيسّر لاحد الوقوف عليها [من‏] الافاضل الحكماء ممن كثرت رياضته و اعظمت عند الناس منزلته، بل تفردت بمقاصد عالية لم يتفق الاطلاع على فحواها و الاهتداء الى مغزاها، الّا ممن امتحنت «7» نفسه بالانقطاع عن اغراض الدنيا و ماتت غريزته عن الشهوات و الهوى. قد اودعنا بعضا من هذه المسائل متفرقة في [ب- 1] كتب عديدة و رسائل، و كثيرا «8» منها لا يمكننى النص عليها خوفا عن الانتشار في الاقطار و قصور الطبايع عن دركها من المقال من غير تهذيبها بنور الاحوال؛ و ذلك مما يوجب الضلال و الاضلال «9» و «12» هذه هى التى ساذكرها على سبيل الحكاية مجردة عن البراهين في مشاهد مشتملة على شواهد، و كنّيتها «10» شواهد الربوبية، رجاء ان تصير باعثة على تشويق الطالبين لسلوك منهج اليقين بالتحصيل، و اللّه يقول الحقّ و يهدى السبيل، المشهد الأول «11»، و فيه شواهد:

 (1): مسألة التوحيد الخاصى الذى ذهب اليه العرفاء، و لم يبلغ الى دركه افهام جمهور الحكماء، و لم يتّفق لاحد فيها الكشف و العيان مع اقامة الحجة و البرهان.

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 285

 (2): مسألة التوحيد العامى الحكمى، و البرهان العرشى عليه بوجه لا يرد عليه الشبهة المشهورة المنسوبة الى ابن كمّونة.

 (3): تحقيق لوجود المثل الافلاطونية «1»، و هذا مما لم يصل اليه احد من الحكماء الذين جاؤوا بعد «افلاطن» الالهى، بل كل من اتى بعده انكر هذه المسألة الى هذا الزمان، و كثير من الحكماء شنعوا عليه بها، و ابلغوا في التشنيع، سيما المعلم الاول في تعليمه، و ربما اوّلوها تأويلات عائدة غير مرضية.

 [الف‏]: منها: انها عبارة عن العلوم التفصيلية الحصولية القائمة بذاته تعالى، على ما ذهب اليه المشّاء، أتباع المعلم الاول، كالشيخين ابى نصر و ابى على و من فى طبقتهما، و به اوّل المعلم الثانى كلام «افلاطون» فى رسالة «الجمع بين الرأيين» «2».

 [ب‏]: و منها: انها عبارة عن عالم [الف- 2] المثال، كما زعمه بعضهم.

 [ج‏]: و منها: انها اشارة الى طبايع الانواع من حيث هى هى، فظن انّه ذهب الى ان الكلى الطبيعى موجود في الخارج بشرط لا شي‏ء، بناء على انه موجود اذا اخذ لا بشرط، و لم يفرق بين اخذ الشي‏ء مع قطع النظر عن كل ما يقارنه و بين اخذه مجردا عنها؛ و بهذا الوجه اول الشيخ في الهيات «الشفاء» «3» المثل الافلاطونية.

 [د]: و منها: ما ذكره صاحب «حكمة الاشراق» من انها عبارة عن العقول التى هى واقعة في سلسلة العرض، بناء على مذهبه «4» من ان الاجسام المخالفة نوعا يجب ان يكون مباديها القريبة عقولا متكثرة بحسب تكثّر «5» انواعها، فكل نوع جسمانى نور عقلى هو مبدأ وجوده «6» و رب نوعه و مدبر اشخاصه. و هذا اقرب الوجوه المذكورة، الّا انها ليس ما رامه؛ فان لكل نوع عنده فردا قائما بذاته من سنخ ساير الافراد.

 [ه]: و منها: انها عبارة عن نفس هذه الصور المادية الشخصية من حيث كونها

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 286

حاضرة عنده، [و] من تلك الحيثية لها ثبوت على وجه آخر غير محتجب بالاغشية المادية. فهذه هى الوجوه المذكورة في تأويل كلامه، و ليس شي‏ء منها غرض افلاطن الالهى؛ و قد خصّنا اللّه تعالى بالهامه و اكرامه في تحقيق هذا المقام، فالمسألة عندى فى غاية الوضوح و الانارة، و ذكرنا البرهان عليها في كتابنا المسمى ب «الاسفار الاربعة» «1».

 (4): ان اثر الجاعل هو نحو الوجود الخاص الصادر [ب- 2] عن الواهب جعلا بسيطا، و ليس المجعول نفس الماهية مع قطع النظر عن الوجود، كما زعمه الاشراقيون؛ و لا صيرورة الماهية موجودة كما ذهب اليه المشاؤون، فالوجود هو الصادر من الفاعل لانه الموجود بالذات دون المسمى بالماهية لانها الواقع بالعرض بمنزلة الظل من ذى الظل، فهى المجعولة بالعرض كما حققناه في موضعه، و قد أتقنّا «2» على هذا المطلب براهين قطعية ذكرناها في اسفارنا و في «الحكمة القدسية» «3».

 (5): ان الوجود حقيقته «4» بسيطة واقعة في الخارج بجميع اشخاصه و خصوصياته، و التفاوت بين اشخاصه و خصوصياته يكون بالتأكد و الضعف، و التقدم و التأخر، و الغنى و الفقر؛ و ليس الوجود في نفسه كليا و لا معروضا للكلية حتى يكون كليا طبيعيا، و لا جزئيا واقعا تحت معنى نوعى او جنسى، و ليس شموله لجميع الموجودات كشمول الكلى لجزئياته، بل شموله و انبساطه على هياكل الممكنات على نحو آخر لا يعلمه الّا الراسخون في العلم.

 (6): اثبات نحوين آخرين من التقدم سوى الخمسة المشهورة بين الفلاسفة، احدهما التقدم بالحقيقة، و الثانى التقدم بالحق؛ و قد ذكرناهما حدا و برهانا في مقامهما.

 (7): ان الصادر بالذات عن الحق الاول وجود المعلول الاول، و أمّا ماهيته‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 287

المركبة من جنسه و فصله فهى غير صادرة عنه، لكنها لازمة لوجوده، و اللوازم عندنا غير محتاجة الى جعل و تأثير، و بهذا [الف- 3] يستقيم التثليث المذكور في صدور الموجودات الثلاثة عن المعلول الاول، اى الفلك الاول و نفسه و عقله، كما عليه الحكماء.

 (8): ان طبيعة الوجود و ان كانت واحدة بسيطة بحسب الحقيقة، لكنها مختلفة بحسب الماهيات المتعددة «1» كل منها مع مرتبة من مراتبه سوى الوجود الاول الذى لم يشوبه «2» ماهية أصلا، لانه صرف الوجود الذى لا أتم منه و هو الوجود الغير المتناهى شدة، و فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى، فلا يحده حد، و لا يضبطه نعت ذاتى، وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ «3».

 (9): تحقيق علمه تعالى بالاشياء على وجه عرشى اختصاصى، ليس كما ذهب اليه المشاؤون من ارتسام صور الاشياء في ذاته و تقرير رسوم الممكنات قائمة بذاته؛ و لا كما ذهب اليه الاشراقيون من كون مناط علمه الذاتى بالاشياء الخارجة عن ذاته نفس وجودات تلك الاشياء؛ و لا ما ذهب اليه المعتزلة القائلين «4» بثبوت المعدومات؛ و لا ما ذهب اليه افلاطن من كون علمه عبارة عن المثل القائمة بذاتها؛ و لا ما رآه فرفوريوس القائل باتحاد العقل [و العاقل‏] و المعقول؛ و لا الذى عليه المتأخرون من العلم الاجمالى على النحو الذى قرّروه في كتبهم، بل كما افادنا اللّه سبحانه بطريق آخر غير شي‏ء من هذه الطرق المذكورة.

 [10]: تحقيق القول في الوجود الذهنى من ان قيام الصور الخيالية بالنفس ليس بحسب الحلول حتى تكون النفس قابلة اياها، بل بحسب الصدور [ب- 3] حتى تكون النفس فاعلة لها.

 [11]: تحقيق القول باتحاد العاقل بالمعقول، حسبما هو المنقول عن‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 288

فرفوريوس، بوجه سديد، لا يرد عليه ما اورده الشيخ الرئيس و من تأخر عنه، و هذا ايضا من المسائل الشريفة التى لا يصل اليها الانسان بقوة الفكر البحثى [من‏] غير تصفية الباطن و تهذيب السر.

 [12]: تحقيق القول باتحاد النفس بالعقل الفعال بعد خروجها عن غشاوة الطبع و اتصافها بالكمال العقلى.

 [13]: كيفية اثبات ان العقل الفعال مع كونه سببا فاعليا للنفوس الانسانية و متقدما عليها، كذلك غاية مترتبة على وجودها و كمالها؛ و ثمرة حاصلة من استكمالها و انتقالها من ادون حالها «1» الى اعلى منازلها في ارتحالها. و هذا امر عجيب فى غاية الغرابة كيف يكون جوهرا واحدا فاعلا متقدما على وجود شي‏ء و غاية متأخرة عن وجود ذلك الشي‏ء من غير ان يتغير ذلك الجوهر في ذاته و صفاته المتقررة في ذاته، لتعاليه عن الوقوع في التجدد و الاستحالة! و ذلك لغاية سعة وجوده و بسط حقيقته، لكونه اثرا من آثار قدرته تعالى و من سكان عالم جبروته.

 [14]: ان وحدة الموضوع- المعدودة من جملة الوحدات الثمانية- المعتبرة فى شرايط التناقض يجب ان يقيّد بكونها في موضوع جسمانى محسوس و الّا فوجود النقيضين ليس مستحيلا في الموضوعات العقلية التى لها نحو من الوجود، لا [الف- 4] يتزاحم فيه الموجودات، و لا يتزاحم فيه المتقابلات. فللوجود مراتب عجيبة و لكل مرتبة نحو آخر غريبة.

و بما ذكرنا ينكشف تجرد النفس و كونها في ذاتها غير جرميّة، و بذلك يندفع بعض شبه الوجود الذهنى.

 [ايضاح‏]: ان الصور النوعية للجواهر الجسمانية ليست مندرجة تحت جنس الجوهر و لا واقعة في مقولة اخرى من المقولات التسع العرضية، بل كل منها حقيقة بسيطة لا جنس لها و لا فصل، كالوجود.

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 289

 [15]: تجويز الحركة من مقولة الجوهر، و انقلاب الشئ في الاطوار الجوهرية الجمادية و النباتية كمادة الانسان المنقلبة في الاطوار، لا على طريق الفساد و الكون بل على نهج الاستكمال، كما اشير اليه في القرآن العظيم: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ «1».

 [16]: ان عروض الموت الطبيعى للانسان ليس لأجل ما زعمته الطبيعيون و الاطباء من ان موجبه تناهى القوى الجسمانية و انحلال القوى و اضمحلال المواد، لاحتمال ورود الامدادات المتوالية «2» على المادة القابلة «3» من المبادى المجردة على سبيل الوساطة من النفس، كما في تحريكات قوى الافلاك لموادها على سبيل توارد الاشراقات العقلية و النفسية مما فوقها. بل موت البدن انما يعرض للانسان لأجل توجه النفس توجها غريزيا الى النشأة الآخرة، و سلوكها سلوكا ذاتيا الى جهة المثالى، و رجوعها الى عالم الحق، فاذا ارتحلت من الدنيا الى الاخرة يعرض [ب- 4] الموت الطبيعى للبدن. فهذا معنى الموت الطبيعى للانسان.

و بيّنّا كما اشرنا استقلال النفس شيئا فشيئا بحركتها «4» الذاتية، و ترك استعمالها للآلات البدنية كذلك، حتى تتفرد بذاتها، و يخلع البدن بالكلية. و هذا المعنى لا ينافى الشقاوة الاخروية بل يوجبه، فان الاتصاف بذمائم الصفات الحاصلة من كثرة المعاصى و التعذيب بالجهل و الكفر و امثالهما مما يستلزمه قوة الوجود و شدة الفعلية و التحصل و حدّة البصر الباطنى- كما في قوله تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ «5». و كشف «6» الغطاء يحصل بالانسلاخ عن لباس البدن و حدّة البصر بقوة جوهر النفس.

 [17]: ان حقيقة كل ماهية تركيبية ليست الّا فصله الاخير، و اما ساير الاجناس‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 290

القريبة او البعيدة و باقى الفصول فهى من باب اللوازم، فهى و ان كانت داخلة في حد الشي‏ء لكنها خارجة عن ذات المحدود، و هذا مما جوزه المنطقيون في بعض الحدود و قد ذكره الشيخ في «الشفاء «1»» و مثّل ذلك باصبع الانسان و قوس الدائرة حيث ان مفهوم الانسان داخل في حد الاصبع خارج عن حقيقتها.

 [18]: ان صور العناصر غير داخلة في حقيقة المركب الطبيعى كالجماد و النبات و الحيوان، بل هى من شرايط وجودها الكونى، و ليست داخلة في قوام المركب كما هو المشهور و عليه الجمهور، و لا متخلفة عنه كما زعمه بعضهم، و حكاه الشيخ الرئيس «2» و [الف- 5] ذكر ان هذا المذهب احدث في زمانه و ذلك لشواهد «3» التحليل بآلة القرع و الانبيق على بقاء تلك الصور.

 [19]: مسألة المعاد الجسمانى «4» و هذا مما الهمنى اللّه به و فضّلنى على كثير من خلقه تفضيلا، و لم اجد في كلام احد من الاسلاميين و الحكماء السابقين و اللاحقين فى هذه المسألة ما يشفى العليل و يروى الغليل. نعم استفدناها من كتاب اللّه و حديث نبيّه و عترته (ع) و وجدنا لمعات متفرقة في كتب اكابر الصوفية رضى اللّه عنهم و رضوا عنه ذلك لمن خشى ربّه.

 [20]: تحقيق ماهية القبر و عذابه و كونه امّا روضة من رياض لجنة او حفرة من حفر النيران.

 [21]: ان النفس الانسانية انما تكون في اول نشأتها بدنية مادية كساير الصور النوعية ثم يصير مجردة ذاتا لا فعلا، ثم يصير مفارقة عن الاجسام المحسوسة الكثيفة المادية ذاتا و فعلا جميعا عند الموت، فهى اما سعيدة و اما شقيّة- ان بقيت علاقته مع تلك الاجسام- و اما من جملة المقربين ان تجردت عن الاجرام و علائقها جميعا بالكلية.

النفس الآدمية ما دام كون الجنين في الرحم درجتها درجة النفوس النباتية، و

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 291

اذا خرج الطفل من بطن امه صارت نفسه بمنزلة نفوس سائر الحيوانات الى اوان البلوغ الصورى، ثم يصير ناطقة بعد ذلك، فان كان فيها استعداد الارتقاء الى حد النفس القدسية و العقل بالفعل، فاذا بلغت حد الاربعين و هو اوان [ب- 5] البلوغ المعنوى صارت نفسا قدسية ان ساعدها التوفيق الالهى. فالجنين ما دام في الرحم نام بالفعل، حيوان بالقوة؛ و اذا خرج من بطن امّه قبل البلوغ فهو حيوان بالفعل، انسان بالقوة؛ و اذا بلغ حد البلوغ الصورى فهو انسان بالفعل ملك بالقوة. و اما مرتبة القوة القدسية فربما لم يبلغ من الوف من افراد الانسان واحد اليها.

 [22]: مسألة المعراج الانسانى و تحقيق عروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ببدنه الشريف و هيكله المحسوس الى عالم السماء، على وجه لا يوجب خرق الافلاك و لا فقدان بدنه المبارك في المدينة الطيبة.

وقع الشك لبعض العرفاء، [فى‏] انه عرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بقالبه في طبقات الاجرام العالية، او اتّسع عرصة قلبه و انشرح حتى ادرجت فيه السماوات. و المذهب المنصور انه عرج بقالبه المتصف بصفة قلبه، لغلبة روحانيته على جسمانيته، كقول القائل «1» ...:

         رقّ الزجاج و رقّت الخمر             فتشابها و تشاكل الامر

 ... سوى في جسمه و شخصه، و نهض طائر همّته و ذكره و تعظّله، و ازعجه فرط حياته و شوقه من الامن و البين «2» حتى وطن و توطن حريم قاب قوسين.

 [23]: ان النفس الانسانية مشتملة على اجزاء ثلاثة، لكل «3» منها نشأة اخرى، احدها: فى جواهر هذا العالم؛ و ثانيها: فى عالم البرزخ؛ و ثالثها في عالم القدس.

فالاول: [الف- 6] طبع؛ و الثانى: نفس؛ و الثالث: عقل بلسان الحكمة، و روح بلسان الشريعة. و ان شئت قلت: الاول صدر؛ و الثانى قلب؛ و الثالث نور.

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 292

 [24]: ان حقيقة الانسان نوع واحد في هذه النشأة، و انواع كثيرة في النشأة الثانية غير محصورة في عدد، الّا ان اجناسها اربعة «1»، لانها اما ان تصير من جنس الملائكة اذا غلبت عليه صفة العلم و الحكمة؛ و اما ان تصير من جنس الشياطين اذا غلبت عليه الشهوة، او من جنس السباع اذا غلبت عليه صفة الغضب و الانتقام و حب الرياسة.

 [25]: ان النفس الانسانية تنزل الى درجة الحواس عند ادراكها لمحسوسها فتصير عند الابصار عين القوة البصرية، و عند السماع عين القوة السمعية، و هكذا فى بواقى الحواس، حتى القوة الالهية و القوة التى تباشر التحريك في العضلات. و كذا ترتفع عند ادراكها للمعقولات الى درجة العقل الفعال و تتحد به على نحو يعلمه الراسخون في العلم، و من لم يبلغ الى مقامهم يزعم انه يلزم من اتحاد النفوس الاخرة، «2» و كذا لزوم تعقل النفس جميع ما يعقله العقل الفعال. و بيّنا كل ذلك على القصور عن نيل هذا المرام و عدم الاطلاع على البرهان النيّر العرشى الكاشف لحجب الاوهام.

 [26]: الصور لمرئية في المرايا «3» ليست منطبعة فيها، سواء كانت في «4» سطوحها او في اغوارها كما زعمته [ب- 6] الطبيعيون. و لا موجودة [منها] كما ذهب اليه الرياضيون القائلون بخروج الشعاع البصرى و اتصالها بالاشخاص الخارجية. و ليست موجودة في عالم المثال كما رآه الاشراقيون؛ بل موجودة في هذا العالم وجودا بالعرض لا بالذات، فوجودها ظل لوجود الشخص «5» الخارجى بحسب الخارج لا بحسب نشأة اخرى، و لو كانت كما ظنه الاشراقيون لكانت من قبيل سائرة النائم في نومه حيث لم يكن له وضع خارجى، و هذه ليست كذلك لكونه قابلة للاشارة الحسية.

 [27]: لمية اختصاص المنطقة بموضع جزء معين من الفلك دون غيرها مع بساطة جسمه و وحدة طبيعته، و كذا اختصاص كل فلك بجهة معينة في حركة «6» الخاصة دون سائر الجهات، و كذا حصول كوكب او تدوير في جانب مخصوص دون‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 293

ساير الجوانب، و كل ما يجرى هذا المجرى في الاجسام البسيطة؛ فحققنا الامر و بيّنّا الحكمة و السر على وجه «1» تطابق الاصول و القوانين، و لم يلزم ما توهمه المتكلمون من جواز الترجيح من غير مرجح اصلا.

 [28]: كشف الحقيقة فيما ورد في مواضع من الكتاب العزيز من خلق السموات و الارض و ما بينهما في ستّة ايام «2»؛ و هذا شي‏ء عجزت عن بيانه اهل التفسير و اعترفوا بالعجز عن فهمه.

 [29]: حمل متشابهات القرآن على ظاهر معناه، و حمل الفاظ التشبيه على مفهومه الاول [الف- 7] من غير لزوم التجسم و التشبيه على البارى كما ذهب اليه الحنابلة و المجسمة «تعالى عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا» «3». و هذا من عظايم العلوم الكشفية، فان الناس من باب متشابهات القرآن بين حيارى و عميان. فمنهم من اول الجميع بتأويلات عقلية حتى الامور الاخروية من الجنة و النار و الحساب و الميزان.

و منهم من حمل الجميع على المفهوم الاول كاصحاب احمد بن حنبل من دون محافظة على تنزيهه سبحانه عن الجسمية و لوازمها. و منهم من اول البعض و قرر البعض، فكل ما ورد في باب المبدأ اوّلوه، و كل ما ورد في باب المعاد قرروه «4» و ابقوه على ظاهر مفهومه، لانهم لم يدخلوا البيوت من ابوابها، و لم يأخذوا علم القرآن من اللّه و رسوله، بل اخذوه من الالفاظ و نقل محسوس عن محسوس، و اخذ بيت عن بيت كابدان و اجساد يتّكى بعضها على بعض و يتصل بعضها ببعض.

 [30]: اثبات كون العقل كل الموجودات كما ذهب اليه الاوائل بوجه برهانى.

 [31]: تحصيل التركيب الاتحادى بين المادة و الصورة، و كذا اتحاد النفس و البدن على وجه وجيه، لا كما قرره صدر المدققين في حاشية «التجريد».

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 294

 [32]: اثبات حركة النمو و الذبول في النبات و الحيوان على وجه لا يرد عليه الاشكات التى عجزت كافة المتأخرين «1» عن حلها حتى انكر [ب- 7] صاحب الاشراق الحركة الكمية في النمو و الذبول «2»، و ارجعها الى الحركة الاينية لاجراء الغذاء فى الدخول او لاجراء المغتذى في الخروج.

 [33]: اقامة البرهان العرشى على ثبوت العلم الحضورى الاشراقى للبارى جل ذكره.

 [34]: اثبات العلم الحضورى النورى للنفس بالنسبة الى الحواس الظاهرة، و ان فاعليته في استعمال الحواس ليست بالطبع و لا بالجبر و لا بالقسر و لا بالقصد و لا بالتسخير و لا بالعناية، بل بالرضاء.

 [35]: المبدأ الفاعلى بالنسبة الى الماهية الموجودة فاعل، و بالنسبة الى نفس الوجود المفاض عليها مقوم لا فاعل، لان هذا الوجود غير مباين له، و امّا بالنسبة الى الماهية اذا اخذت من حيث هى هى فلا يوصف بسببية و لا تقويم، و لهذا ما شمّت الاعيان الثابتة رائحة الوجود: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ «3».

 [36]: اتصاف العقول المفارقة بالامكان ليس في نفس الامر بل بحسب اعتبارها بذاتها، مع قطع النظر عن استنادها الى جاعلها فهى ممكنة بحسب مرتبة من مراتب نفس الامر لا في نفس الامر؛ و لا محذور فيه؛ و ذلك لان الامكان عبارة عن سلب ضرورة الوجود و العدم، و سلب الشي‏ء عن بعض مراتب نفس الامر لا يوجب سلبه عن الواقع؛ فالمبدعات ضرورية الوجود في الواقع و هى ممكنة الوجود في بعض الاعتبارات.

 [37]: فى [الف- 8] ان اصحاب النار بالاصالة هى النفس و الهوى و الشيطان، و غير هؤلاء ليس من اصحاب النار الذين هم اهلها، فان النفس ما دامت متعلقة بامور الدنيا و لذّاتها هى نار معنوية محرقة به تطّلع على الافئدة، و الهوى شعلة منها، و

                       

مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين         312    11 شواهد الربوبية

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 295

الشيطان اصل النيرانات الاخروية و الدنيوية؛ و في الحديث: إنّ ناركم غسلت سبعين مرّة- الحديث.

 [38]: دفع «1» الشبهة الواردة على قاعدة الامكان، و هى لزوم تحقق ممكن اشرف من النور الاقرب، و كذا لزوم انوار عقلية غير متناهية واقعة بين كل نور عقلى علة و نور عقلى آخر معلول له، متفاوتة في شدة النورية و ضعفها، و كون غير المتناهى محصورا بين حاصرين.

 [39]: تحقيق كون هيولى العناصر واحدة بالشخص مع كونها معنى جنسيا مبهما باعتبار، و قوة محضة باعتبار آخر.

 [40]: تحقيق كون صورة الجوهر في الذهن جوهرا بالماهية و كيفا ايضا بالذات لا بالحقيقة كما رآه سيد المدققين، و لا بالمجاز و التشبيه كما رآه العلامة الدوانى، فمذهبنا ههنا امر بين امرين و توسط بين الطرفين. هذا في بحث الافكار البحثية. و اما مذهبنا من جهة العلوم المتعالية عن اسلوب المناظرين في هذه المسألة فشي‏ء آخر، و هو ان للنفس «2» عند ادراكها للحقايق الجوهرية العقلية و طبايع انواعها يقع بصرها العقلى على جواهر مفارقة و مثل نورية، يكون [ب- 8] هذه الجواهر المحسوسة ظلال تلك المثل النورية فيعلمها علما حضوريا شهوديا، الّا انها لمّا كانت عالية بعيدة السمك عن عالم النفس الانسانية المتعلقة بالغواشى المادية، لم يكن للنفس ان تنالها كما هى عليها من شدة التحصيل و كمال الوجود بل على وجه الابهام و احتمال الشركة بين كثيرين- كساير المعانى الذهنية- فان ضعف الادراك ربما يوجب تطرقالابهام و الاشتراك في المدرك بحسب اعتقاد المدرك و ان كان هو فى نفسه امرا متعينا شخصيا، او لا ترى انك اذا رأيت شبحا من بعيد كيف يجوز حينئذ كونه زيدا او عمرا او حيوانا غير انسان او نباتا أو حجرا، فكلما قرب منك او

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 296

اخذت بصرك قل الاشتراك و سقط الاحتمال حتى يختص بواحد معيّن كما هو في الخارج، و كذلك ادراكها للامور المتعالية و الجواهر العقلية.

 [41]: تحقيق ما ذكره المنطقيون من ان الحد و البرهان متشاركان في الحدود.

 [42]: اثبات حدوث العالم الجسمانى ببرهان عرشى.

 [43]: كون موضوع العلوم الطبيعية «1» نفس الحركات او المتحركات بما هى متحركات، و ان جميع الجواهر الحسية من حيث كونها حسية و كذا اعراضها واقعة فى الاستحالة و الانقلاب و السيلان، فهى دائمة في الحدوث و التجدد، و كل ما هذا شأنه فهو من الدنيا، و الآخرة دار القرار.

 [44]: دار [الف- 9] الآخرة نشأة اخرى ليست منسلكة مع هذه الدار في مسلك واحد، فمكانها ليس من جنس امكنة هذه الدنيا و لا في جهة منها و كذا زمانها ليس من جنس هذه الأزمنة، و لا واقعا منها في استقبالها بل كل من الدنيا و الآخرة عالم تام لا يعوزه شي‏ء من خارج.

 [45]: الدنيا و الآخرة متضائفتان، من فهم مفهوم الدنيا و مسمّاها فهم مفهوم الآخرة «2» و مسمّاهما، وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى‏ فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ «3».

 [46]: تحقيق كون الآخرة في داخل حجب السماوات لا في خارجها. اجساد هذا العالم قابلة لنفوسها على سبيل الاستعداد، و نفوس عالم الآخرة فاعلة لا بذاتها على سبيل الايجاب و اللزوم، ففى هذا العالم يرتقى الابدان في استعداداتها لموادها الى حدود النفوس، و في الآخرة تتنزل النفوس الى منازل الابدان.

 [47]: الفعل في هذا العالم اشرف من القوة، و القوة في الآخرة اشرف من الفعل، و القوة ههنا لأجل الفعل، و الفعل هناك لأجل القوة، لان هذا العالم دار الانعكاس.

 [48]: جوهر النبوة مشتمل على مراتب ثلاثة، كل منها شخص كامل في نوعه، فالنبى صلى اللّه عليه و آله ملك و فلك و ملك، كما فصّلناه و اوضحناه في تفسيرنا لسورة

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 297

الجمعة «1».

 [49]: تحقيق ان النبى صلى اللّه عليه و آله خادم للقضاء الالهى كما ان الطبيب خادم للطبيعة، كما اشار اليه صاحب «فصوص الحكم» رضى اللّه عنه.

 [50]: تحقيق قوله تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ «2».

 [51]: بيان اجتماع الخلائق كلهم من اول [ب- 9] الدنيا الى آخرها في ساهرة «3» واحدة يوم الحشر عند الرب تعالى.

 [52]: تصحيح كون مبادى الموضوع لعلم واحد قد تكون من عوارضه الذاتية من غير لزوم توقف الشي‏ء على نفسه، كاثبات المبادى الفاعلية و الغائية و المادية و الصورية في العلم الالهى للموجود بما هو موجود، و هو موضوع هذا العلم «4»، و لا حاجة في ذلك الى العذر الذى ذكره الشيخ الرئيس في الهيات «الشفاء» «5» من ان المبادى المذكورة ليست مبادى لجميع الموجودات بل لبعضها، و هو الوجود المعلول.

 [53]: الكلى الطبيعى- اى الماهية لا بشرط شي‏ء- ليس موجودا في الخارج بالذات كما عليه جمهور الحكماء، و لا هو معدوم فيه اصلا كما عليه المتكلمون، بل هو موجود في الخارج بالعرض اى بتبعية الوجود كالظلال، و كذلك في الذهن موجود بالعرض.

 [54]: معنى وجود الاشياء في الذهن و انحفاظ ماهياتها في نحوى الوجود عندنا ليس الّا ان الانسان مثلا اذا تصوره العقل حصل عنده شي‏ء و يصدق عليه مفهوم الحيوان الناطق بالحمل الاولى الذاتى لا بالحمل المتعارف حتى يكون الموجود في الذهن جوهرا ناميا متحركا حساسا ناطقا، فالموجود من الانسان في‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 298

الذهن عندنا فرد من الكيفيات النفسانية، و مفهوم جوهرى و ليس من افراد الجواهر.

 [55]: الاجناس العالية ليست معانيها افرادا لانفسها و هو ظاهر [الف- 10]، و لا المعانى الكلية المتركبة منها و من معانى الفصول افرادا لانفسها، بل يحمل انفسها عليها حملا اوليا ذاتيا لا غير.

 [56]: تحقيق ان علمه تعالى بالجزئيات المادية على وزان فاعليته لها على وجه عرشى.

 [57]: اثبات الشعور و التسبيح في جميع الموجودات حتى الجماد و النبات على وجه لم يتيسر لاحد من قبلى من الحكماء و الصوفية الّا الاولياء من اهل اللّه.

 [58]: العالم كله تسبيحة واحدة للبارى- جل اسمه- بوجه، و مسبّح له باعتبار آخر.

 [59]: البرهان العرشى على كون الجسمية المقدارية مناط الموت و الجهالة، لان كل جزء منه مفقود عن ساير الاجزاء، و هى ايضا مفقودة عنها، و هكذا الكلام فى اجزاء الاجزاء، و اجزاء اجزاء الاجزاء الى غير النهاية، فالكل غايب عن الكل، و ليس الكل الّا عين الاجزاء، و كل امر جسمانى من حيث كونه جسمانيا حاله هذا الحال من كونه غايبا عن ذاته غير شاعر بذاته الّا ان الجسم هكذا بالذات و الجسمانى هكذا بالعرض، فالنفس بقدر تعلّقه بالبدن يكون مائتة، و بقدر تجردها عنه حيّة درّاكه فعّالة.

 [60]: الوجود في كل شي‏ء عين العلم و القدرة و سائر الكمالات الوجودية اللازمة للموجود بما هو موجود، فى كل بحسبه.

 [61]: وجود الجسم بما هو جسم عين اتصاله و امتداده، و كذا الوحدة الشخصية فيه؛ فلا يرد نقصا على برهان النفس من جهة ادراكها للمعانى الغير المنقسمة [ب- 10]، بناء على انها لو انقسمت يوجب انقسامها انقسام ما حلّ فيها

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 299

من المعانى، و قد فرضت غير منقسمة؛ هذا خلف، و ذلك لان وحدة «1» الجسم نفس الجسم كما اصّلناه.

 [62]: ابطال ما ذكره المحقق الخفرى فيما ادعاه من البرهان على وجود «2» الصانع من غير الاستعانة بابطال التسلسل، و هو قوله: «لو انحصرت الموجودات في الممكنات لكان وجود ما متوقفا على ايجاد ما، و ايجاد ما على وجود ما»، و كذا قوله: «للموجود بما هو موجود علة، و الّا لزم تقدم الشي‏ء على نفسه»، و ذلك لما اشرنا اليه سابقا: ان تقدم الشي‏ء على نفسه انما يستحيل في الواحد العددى لا فى الواحد النوعى و اشباهه، و مرجع التناقض الى الاول لا الى الثانى.

 [63]: القول بنفى التشكيك بالاقدمية لا يجامع القول بالجاعلية و المجعولية بين الماهيات الجوهرية، كما عليه بعض المتأخرين كصاحب حواشى «التجريد» و من وافقه من الجمع بين هذين القولين.

 [64]: تحقيق كثرة الصفات الكمالية و الاسماء الحسنى للّه سبحانه، لا كما ذهب اليه الصفاتيون من الاشاعرة، و لا كما هو طور الحكماء القائلين بنفى الصفات الحقيقية و ارجاعها الى نفس الذات الواجبة؛ و ليس المراد من قول امير المؤمنين عليه السّلام: كمال التّوحيد نفى الصّفات [عنه‏] «3» ما يرجع الى قول الحكماء بل امر آخر احتجبت عن دركه الافهام و لا يبلغ الى غوره عقول الاقوام.

 [65]: ذات البارى جلّ اسمه [الف- 11] لا حدّ له كما لا برهان عليه و لا وضع له اسم، و اما صفاته الكمالية فمما يوجد لبعضها حد و برهان. و اما مفهوم لفظة الجلالة و معناها فوجود جميع الموجودات برهانه، و حدود جميع الممكنات واقعة فى حدوده؛ و هذا ايضا من الامور التى يحوج دركها الى فطرة اخرى.

 [66]: ان الانسان يتنوع باطنه و نفسه في كل حين كما دل عليه قوله سبحانه:

بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ «4». و اكثر الناس في لبس و غطاء من الاعتراف بهذا

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 300

التجدد و التبدل حتى الشيخ الرئيس على ما صرح في مفاوضة بهمنيار تلميذه، و الحقّ ههنا مع التلميذ في تجويزه تبدل الذات ما دام الكون الدنياوى، و عليه برهان عرشى يعضده آيات كثيرة، و اصل هذا التبدل من صفة الهية اشير اليه بقوله تعالى:

كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ «1»، و قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ «2».

 [67]: تحقيق مسألة البداء التى نقلت الينا من ائمتنا المعصومين سلام اللّه عليهم اجمعين، و كشف الحقيقة فيها على وجه يطابق الاصول و القوانين.

 [68]: تفسير قدرته تعالى بصحة الفعل و الترك لا يوافق مسلك الفلاسفة، و قد نهى عن ذلك العلامة الخفرى في حاشية الهيات «التجريد».

 [69]: اثبات قدرته تعالى على معنى صحة الفعل و الترك التى عليها جمهور المسلمين بوجه لا يوجب الكثرة و التغير في ذاته تعالى و لا ينثلم به توحيده تعالى على ما اعتقده الحكماء المتوحدون [ب- 11].

 [70]: كما ان هيولى كل فلك مبائنة لهيولى الفلك الآخر لا بذاتها بل بالصور النوعية المخالفة الذوات للافلاك، كذلك عقل كل فلك غير العقل الاخر [لا] لذواتها بل بسبب تعدد الجهات الفاعلية، فكثرة الصدور هناك لكثرة القبول ههنا، فالعقول لفرط الفعلية و الكمال و التحصل كأنها شي‏ء واحد، و الهيوليات لفرط الانفعال و القصور و النقص كأنها واحدة. و كون العقل شيئا واحدا يناسب لسان الشريعة، كقوله تعالى: وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ «3»، حيث يشار فيه الى عالم العقل بالروح الاعظم و القلم الاعلى كما في قوله تعالى: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا «4»، و قوله:

عَلَّمَ بِالْقَلَمِ «5».

 [71]: تحقيق كون العالم صورة الحقّ و اسمه، و معنى الاسم الظاهر، و معنى الاسم الباطن.

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 301

 [72]: كيفية تخلّق الانسان باخلاق اللّه بالحقيقة كما ورد في الحديث المشهور «1».

 [73]: اثبات ان في باطن كل انسان و في اهابه حيوان انسانى لجميع اعضائه و حواسّه و قواه، و هو لا يموت بموت هذا البدن، بل هو الذى يحشر في القيامة و يحاسب، و هو الذى يثاب و يعاقب في اكثر الناس، و حياته ليست كحياة هذا البدن عرضية واردة عليه من خارج، بل حياته كحياة النفس ذاتية «2»، و هو حيوان متوسط بين النفس الناطقة و البدن العنصرى يحشر في الآخرة على [الف- 12] صور الاعمال و النيات و على صور الحيوانات المناسبة للصفات الغالبة في الانسان. و هذا يرجع و يأول التناسخ الوارد في لسان الاقدمين من الحكماء المعظمين ك «أفلاطن» و من يحذو حذوه؛ و كذا ما ورد في ألسنة الشرايع الحقّة، و ذلك للقواطع البرهانية الدالة على بطلان غير هذا المعنى.

 [74]: مبدأ الفصل «3» الاخير لا في كل ماهية يتركب من الاجناس و الفصول، بمعنى ان ذلك الفصل بنفسه يصدق عليه جميع هذه المعانى من غير اعتبار امر آخر معه، و قد اقمنا البرهان عليه في مقامه.

 [75]: معنى الجوهر الذى صيرورة «4» جنسا للانواع الجوهرية ليس جزء وجوداتها بل لماهياتها، و اذا علم نحو من انحاء وجوداتها بالعلم الحضورى الشهودى الوجودى امكن الشك في جوهريتها، و كون الذاتى بيّن الثبوت لذى الذاتى لا يقتضى الّا عدم الشك في ثبوت مفهوم الذاتى لماهية الذات لا بوجودها، و لهذا ربما توقفت اقوام من ارباب الفكر في باب جوهرية النفس مع عدم غيبتهم عن شهود انفسهم، لان مفهوم الجوهر امر ذهنى، و كل صورة ذهنية يحتمل الشركة بين كثيرين؛ و وجود كل نفس- اى ما يشار اليه ب «انا»- امر لا يحتمل الشركة، فيمكن‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 302

الشك في جوهرية النفس مع شهود رجوعها.

 [76]: تحقيق ما ذكره الحكماء في العرض الذاتى من انه الخارج المحمول الذى يلحق الشي‏ء لذاته، من غير حاجة الى تعميم ذكره العلامة الدوانى و تزييف [ب- 12] مقالته في نسبة المساهاة «1» الى رؤساء الحكمة، و دفع التناقض الذى توهمه بين كلامى الشيخ من حكمه بان ما يلحق الشي‏ء بواسطة امر اخص عرض قريب، و من تمثيله العرض الذاتى بالاستقامة و الاستدارة للخط.

 [77]: اقامة البرهان العرشى على كون القوة الخيالية مجردة عن البدن المادى الحسى غير مجردة عن البدن الاخروى.

 [78]: تحقيق ما ذكره الشيخ في «القانون» من ان اللذة البصرية و السمعية و الالم المقابل لكل منهما انما يختص بنيلها النفس دون الحاستين، بخلاف الملائم و المنافى في مدركات الحواس الثلاث الباقية فانها يختص بنيلها تلك الحواس، و النفس لا يتألم و لا يتلذّ بها. و قد تحيرت افهام شراح «القانون» فى وجه التفرقة في هذا المقام.

 [79]: تحقيق ما افاده الشيخ «2» و غيره من الحكماء في نفى الحركة في مقولة متى، و توضيح قوله: «ان الانتقال من سنة الى سنة او من شهر الى شهر دفعى».

 [80]: التوفيق بين ما ذكره المحقق الطوسى في «شرح الاشارات»: «ان النفس يتعلق اولا بالقلب بل الروح البخارى، و هما اجراها في البدن»، و بين ما ذكره الشيخ و غيره: «ان متعلق النفس مجموع البدن لا عضو من الاعضاء».

 [81]: اثبات الشوق في الهيولى مع انها في ذاتها قوة محضة، و دفع ما ذكره الشيخ على استحالته في طبيعيات «الشفاء»، و بيان انها مشتاقة بكل صورة حادثة قبل حدوثها، و قد [الف- 13] عملنا في بيانه رسالة منفردة.

 [82]: تحقيق القول في اتصاف الماهية بالوجود، و قد اضطربت افهام‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 303

المتأخرين في اتصاف الماهية بالوجود و صارت اذهانهم بليدة عن تصويره من جهة ان ثبوت الشي‏ء للشي‏ء فرع على ثبوت ذلك الشي‏ء، فيلزم ان تكون الماهية قبل وجودها موجودة. فتارة انكروا قاعدة الفرعية و انتقلوا منها الى الاستلزام؛ و تارة خصصوا هى «1» بما سوى الوجود؛ و تارة جعلوا مناط الموجودية الاتحاد مع مفهوم الوجود؛ و تارة جعلوا مناط الموجودية الاتحاد مع مفهوم الوجود المشتق من غير ان يكون ههنا وجود ثابت، و لم يحققوا كنه الامر في هذا الموضع من ان الوجود نفس موجودية الماهية لا موجودية شي‏ء آخر هو الوجود للماهية كسائر الاعراض حتى يكون اتصاف الماهية به فرع تحققها، فالقاعدة على عمومها باقية من غير حاجة الى الاستثناء في العقليات كما في النقليات عند تعارض الادلة النقلية.

هذا على الطريقة المشهورة بين القوم. و اما على طريقتنا و هى «2» ان الوجود في الاعيان هو عين الوجود بالذات، و اما المسمى بالماهية فهو امر متحد مع الوجود ضربا من الاتحاد، كما اوضحناه في مسفوراتنا مشروحا.

 [83]: تحقيق ان الانسان اذا انتقل عن الدنيا الى عالم الآخرة زالت السماوات و الارض عن مكانهما، و بطلت الاوضاع الجسمية، و خرب هذا [ب- 13] العالم، و باد اهله، فيقوم الساعة. و هذا ايضا من الحكمة التى من اوتيها «3» فقد اوتى خيرا كثيرا «4»

 [84]: فى ان اكثر الناس يعبدون غير اللّه الّا المؤمن الحقيقى، بل يعبدون ما يخلقون من اصنام ينحتونها بآلة الاوهام.

 [85]: فى ان عبدة الاصنام انما يعبدون اصنامهم لظنّهم الالوهية فيها، فهم ايضا يعبدون اللّه بوجه، الّا ان كفرهم لأجل غلطهم في المصداق، و اسنادهم التجسم و النقص الى المعبود، فلا فرق يعتدّ به بينهم و بين كثير من الاسلاميين. قال تعالى: وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ «5».

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 304

 [86]: فى ان لجميع الموجودات طاعة جبلية و دين فطرى «1» للّه سبحانه، لا يتصور منها تمرّد و لا عصيان اصلا، لان امره سبحانه ماض و حكمه جار، لا مجال لاحد في التمرد و العصيان، اعنى بذلك الامر التكوينى؛ و اما الامر التشريعى و النهى الذى يقابله فيقع فيهما القسمان الطاعة و المعصية، و المكلف بها الثقلان خاصة، و يتبع المعصية فيهما الوهم و الشيطان.

 [87]: فى ان مآل الكل الى الرحمة الواسعة كما حقّقة بعض اعاظم المحققين من الصوفيه كما قال اللّه تعالى: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ «2»، و هذا لا ينافى العذاب الدائم و الخلود في النار للذين هم اهلها، و هم الذين حقّت عليهم كلمة العذاب، و انهم لا يؤمنون اصلا لا في الدنيا و لا في الآخرة، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ «3» [الف- 14]

 [88]: فى ان البرزخ «4» الذى يكون الارواح فيه بعد المفارقة من الدنيا هو بعينه العالم الذى كان الارواح فيها من حيث موطنها الاصلى قبل هذا الكون، لا كما ذكره الشيخ الاعظم محيى الدين الاعرابى من ان احدهما غير الآخر الّا ان اراد تغايرا بالاعتبار. و اما التعويل على ان تنزلات الوجود معارجة دورية، و على ان الصور التى تلحق الارواح في البرزخ انما هى صور الاعمال و نتيجة الافعال بخلاف صور العالم الذى هو متوسط بين عالم المفارقات و هذا العالم، فلا يضرنا لما حقّقنا في مقامه ان المبادى عين الغايات بالذات و غيرها بوجه، فلا يلزم أن يكون في الوجود عالمان تامّان من جنس واحد، و قد برهن ان كل عالم من العوالم لا يكون الّا واحدا.

 [89]: اثبات معانى جميع المقولات العشر من الجوهر و الكيف و الكم و الاين و غيرها من اسماء اللّه تعالى. و كذا اثبات اقسامها الجنسية و النوعية فيها على ما عليه اعاظم اهل اللّه.

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 305

 [90]: اثبات كون الدنيا دار انتقال و زوال، و الآخرة دار قرار و ثبات.

 [91]: كون علمه سبحانه تابعا للمعلوم بوجه عرفانى، متبوعا بوجه آخر حكمى؛ و كونه تعالى مرآة لضوء الممكنات، و كون حقايقها مرائى يشاهد فيها وجود الحقّ جل ذكره.

 [92]: لوازم الوجودات الخاصة كلوازم الماهيات في استحالة بخلال «1» جعل و تأثير بينها و بين ملزوماتها، فكما ان لوازم [ب- 14] الماهيات لا يحتاج الى فاعل او فاعلية جديدة فكذلك لوازم كل وجود مخصوص.

 [93]: بيان ان البحث عن وجود الواجب و احواله كيف يورد في العلم الطبيعى الباحث عن عوارض الجسم، و كذا الكلام في اثبات العقل الفعّال في علم النفس من الطبيعى، و اثبات العقول الفعّالة ايضا من علم السماء و العالم منه.

 [94]: دفع اعتراضات في «شرح الاشارات» «2» على الشيخ الرئيس في مباحث علم البارى تعالى و جواب نقوضه «3» التى اوردها على القول بتقرير صور المعلومات فى ذاته تعالى، ثم ابطال القول بالارتسام بوجه آخر غير ما وجّهه ذلك المحقق و تحقيق الحقّ في علم الفاعل المطلق على وجه لا يشوبه شك و ريب، و لا يعتريه و صمة قصور و عتب. «4»

 [95]: فى ان للفلك نفسا عقلية و نفسا حيوانية و طبيعة سارية في جسميته لا على انها امور متفاصلة متباينة الوجود كالقوى الحيوانية، و الّا لكان الذات الواحدة ذواتا متعددة؛ و لكان لحيوان واحد نفوس متعددة؛ و لا أن «5» ذات الفلك احدى هذه الامور، و الباقية بمنزلة القوى العرضية و الآلات الخارجة عن ذات الشي‏ء، بل هى كلها امور موجودة بوجود واحد، و ذلك الوجود ذا «6» مراتب متفاوتة، مرتبة آثار و

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 306

لوازم، و هذا شديد الغموض ادراكه، لطيف المسلك غوره.

 [96]: تحقيق اضافة التقدم و التأخر في اجزاء الزمان، و حل الاشكال الذى [الف- 15] لم يتيسر لاحد حلّه، من حيث ان المتضايفين يجب ان يكونا معا في درجة الوجود و العقل جميعا، بان معية اجزاء الزمان هى عين التقدم و التأخر الزمانيين بينها.

 [97]: تحقيق كون وجوده تعالى عين كونه فاعلا للاشياء متقدما عليها، و دفع مفسدة كونه تعالى من مقولة المضاف.

 [98]: دفع الاشكال «1»، فى علم النفس «2» بذاتها و بغيرها من جهة ان العلم بذى السبب لا يحصل الّا من جهة العلم بسببه، و الواجب بذاته سبب جميع الموجودات مع انا لا نعرف ذاته بكنهه.

 [99]: دفع لزوم التناسخ في تعلق النفس بالبدن الاخروى بوجه عرشى، لا كما فهمه بعض علماء الاسلام كالشيخ الغزالى و غيره من كون التعلق بمادة البدن الاول باقيا للنفس.

 [100]: الوجود الواجبى ليس في ذاته مصداقا لسلب شئ من الاشياء، بل شئ من الوجود- سواء كان واجبا او ممكنا- لا يكون بذاته مصداقا لسلب شى‏ء آخر، و الّا لزم من تعقّله تعقل ذلك السلب و المسلوب ايضا؛ و تحت هذا سرّ عظيم.

 [101]: بين الوجود ذى الماهية و تلك الماهية ملازمة ما، لا بالمعنى الاتفاقى بل باللزوم العقلى المصطلح، فلا بد ان يكون احدهما متحققا بالاخر، اوهما جميعا متحققين بامر ثالث. و الثانى باطل، لان احدهما- و هو الماهية- غير مجعولة كما برهن عليه؛ فبقى القسم الاول. ثم لا يجوز ان تكون الماهية مقتضية للوجود، و الّا لكان قبل الوجود موجودة، هذا محال.

فالحق: ان المتقدم منهما هو الوجود، لكن لا بمعنى انه [ب- 15] مؤثر في‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 307

الماهية لكونها غير مجعولة كما مر، بل بمعنى ان الوجود هو الاصل و الماهية تابعة له، كما يتبع الظل للشخص «1» من غير تأثير، فيكون الوجود «2» موجودا بنفسه، اى بالذات، و الماهية موجودة بالعرض، فهما متحدان في الموجودية.

 [102]: المعانى الكلية لا تقبل الاشد و الاضعف سوى الوجود، سواء كانت ذاتيات للشى‏ء او عوارض، و الوجود بذاته مما يتفاوت كمالا و نقصا، لانه يتعين بذاته، بل ذاته بذاته عين المتقدم و المتأخر. و اما المعانى و المفهومات العقلية الكلية فليست هى في ذاتها، و الكمال و النقص و التقدم و التأخر انما يلحقها بواسطة انحاء وجوداتها الخاصة، فالنور مثلا لا يتفاوت في مفهومه و هو نفس الظهور بالمعنى الكلى و المفهوم العقلى، و انما تتفاوت الانوار الخارجية التى هى عبارة عن انحاء وجوداتها.

و صاحب الاشراق «3» رأى ان الوجود معنى انتزاعى لا صورة له في الاعيان، و زعم ان الماهيات كماهية النور و ماهية الجوهر و غيرهما مما تقبل الاشد و الاضعف و التقدم و التأخر بذواتها، اى بمعناها النوعى و الجنسى؛ و هذا غير صحيح عندنا. و كذا المشاؤون زعموا ان القابل للتشكيك معانى السواد و غيرها من الكيفيات التى يقع فيها التشكيك. و جميع ذلك عندنا يرجع الى انحاء الوجودات المتفاوتة في الموجودية. لست اقول في هذا المعنى الكل «4»، لانه كساير الماهيات الكلية، بل فيما يتحقق به الشئ. و هذا ايضا من العلوم [الف- 16] المتعالية عن ظهور الاذهان.

 [103]: الانسان مادام كونه الدنياوى يكون احساسه متقدما على تخيّله و تخيّله متقدما على تعقّله، و اذا انتقل الى النشأة الاخرى يكون معقوله متقدما على تخيّله ان كان من اهل الكمال، و تخيّله متقدّما على «5» محسوسه، بل يكون متخيله عين محسوسه، لان قوة خياله قوة حسه «6»، كما هو محقق عند اهل الكشف.

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 308

 [104]: كل ما يراه الانسان في هذا العالم- فضلا عن عالم الآخرة- فانما يراه فى ذاته و في عالمه، و لا يرى شيئا خارجا عن ذاته و عالمه، و عالمه ايضا في ذاته.

 [105]: النفس الانسانية من شأنها ان تبلغ الى درجة يكون جميع الموجودات العينية اجزاء ذاتها، و تكون قوتها سارية في جميع الموجودات، و يكون وجودها غاية الخلقة.

 [106]: البدن الذى يتعلق به النفس و يتصرف فيه و يستعمله ليس هذا البدن المشاهد الثقيل الغليظ المركب من الامور المتخالفة و المتضادة، بل هذا بمنزلة الوعاء و الوقاية لذلك البدن اللطيف الحار المتشابه الاجزاء.

 [107]: الوحدة «1» عندنا في الاشياء نفس وجودها، و للشيخ الرئيس حجة على ان الوحدة في الشئ مغاير لوجوده، و هى ان الكثير من حيث انه كثير موجود في الخارج، و ليس الكثير من حيث هو كثير واحدا. و نحن قد فككنا عقدتها و حسمنا مادة هذه الشبهة في «الاسفار الاربعة «2»»، عناية من اللّه سبحانه.

 [108]: البرهان العرشى على وجود النفس من جهة غاية حركة [ب- 16] العناصر الى الاجتماع.

مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين         321    11 شواهد الربوبية

 [109]: البرهان العرشى على وجود الملائكة العقلية، لا الوجود من جهة حركات التنمية و التغذية و التوليد في الاجسام النباتية. و هذا النحو من البرهان على وجود الملك الروحانى و المدبر العقلى لا يتمشّى من جهة حركات الانسان و الحيوان بل من سبيل آخر، لان مبدأها القريب فيهما ذات شاعرة جزئية.

 [110]: لكل ناقص عشق و شوق غريزى «3» يلقى اليه من ما فوقه «4» اودعهما البارى في ذاته لتنتظم العالم، كما برهن عليه في موضعه، و من ههنا سلكنا مسلكا

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 309

انيقا في اثبات الغايات العقلية العلوية للحركات و الاشواق الطبيعية و النفسانية.

 [111]: الحركات الطبيعية و النباتية و الحيوانية كلها منتهية الى الخير الاقصى، و الاله الاعلى خالق الارض و السماء، الذى بيده ملكوت الاشياء، و اليه يرجع الامر كلّه، ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «1».

 [112]: تحقيق ما ذكره الشيخ في «التعليقات «2»» و توجيهه الى غير ما هو المشهور مما وجّهه اليه الجمهور، و هو قوله: «وجود الاعراض في انفسها هو وجودها في موضوعاتها، سوى ان العرض الذى هو الوجود لمّا كان مخالفا لها لحاجتها الى الوجود حتى يصير موجودة و استغناء الوجود عن الوجود حتى يكون موجودا، لم يصح ان يقال: ان وجوده في موضوعه هو وجوده في [الف- 17] نفسه، بمعنى ان للوجود وجودا كما يكون للبياض وجود، بل بمعنى ان وجوده في موضوعه نفس وجود موضوعه و غيرها «3» من «4» الاعراض، وجوده في موضوعه وجود ذلك «6» [الغير]» انتهى. و كذا قوله: «فالوجود الذى للجسم هو موجودية الجسم لا كحال البياض و الجسم في كونه ابيض، لان [الابيض‏] لا يكفى فيه البياض و الجسم».

 [113]: ابطال كلام بهمنيار في تحصيله «5»: «ان الوجود الخاص يتقوم باضافته الى موضوعه، لا ان يكون الاضافة تخصّه من خارج»، و دفع ما استدل به على ذلك فى قوله: «فان وجود المعلول عرض، و كل عرض فانه متقوم بوجوده في موضوعه، و كذلك حال الوجود؛ فان وجود الانسان متقوم باضافته الى الانسان، و وجود زيد متقوم باضافته الى زيد لا كما يكون الشئ في مكان ثم يعرض له الاضافة من خارج» انتهى، اذ ما ذكره غير سديد، لان الوجود بالقياس الى الماهية ليس كالاعراض بالقياس الى موضوعاتها؛ بل الوجود متحد مع الماهية في الاعيان، و اما اذا حلل‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 310

العقل الموجود العينى الى شئ و وجود فهما بالمادة و الصورة اشبه منهما بالموضوع و العرض؛ و قد مرّ ان وجود الماهية ليس الّا نفس موجوديتها لا كحال البياض و الجسم، فكما انه فرق بين كون الشئ في المكان او في الزمان، و بين كون الشئ في الموضوع على ما ذكره هذا القائل، فكذلك فرق بين كون الشئ في الموضوع و [ب- 17] بين كون الموضوع نفسه؛ و الوجود هو نفس كون الموضوع، و موضوعية الماهية للوجود بمعنى كونها مادة عقلية لصورة الوجود اذا حلل العقل الموجود الى امرين شبيهين بالمادة و الصورة في الذهن.

 [114]: الوجود عندنا حقيقة بسيطة لا جوهر و لا عرض في ذاته؛ وجود الجوهر جوهر و وجود العرض عرض كذلك، و بمعنى انه في نفسه حاصل في موضوع، لا ان له وجودا حاصلا في موضوع.

 [115]: حل جميع الاشكالات و النقوض التى ذكرها الشيخ المقتول في سائر كتبه «1» من كون الوجود غير واقع في الخارج بل هو امر اعتبارى ذهنى كالامكان و الشيئية و نظايرهما. و هذه الاشكالات و الشبه قوية «2» لم يتيسر لاحد حلّها، و قد تفصّينا عن الكل، و ذكرنا فيها وجه الحل بفضل اللّه و حسن توفيقه في اسفارنا الاربعة «3».

 [116]: المتأخرون قد حاولوا تعريف الامور العامة التى يبحث عنها في احدى الفلسفتين الالهيتين اعنى تقاسيم الوجود، و لم يتيسر؛ فعرّفوها تعريفات غير سديدة مدخولة، و لم يتفطنوا بانها من المعانى الكلية العارضة للموجود بما هو موجود، اى لا يحتاج عروضها للموجود الى ان يصير نوعا خاصا من الامور الطبيعية او التعليمية.

 [117]: ان اللّه خلق الجنة و النار من اعمال بنى آدم، و ان المؤمنين عمّار

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 311

الجنة، و الكافرين و المنافقين و المجرمين [الف- 18] عمّار النار.

 [118]: تحقيق ما ورد في الحديث عنه صلى اللّه عليه و آله: إنّ الجنّة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، و النّار مثل ذلك «1».

 [119]: اثبات ان لكل مؤمن جنة عرضها كعرض السماء و الارض و هي معه، الّا ان ظهورها التام لا يكون الّا بعد قيام الساعة، كما اشير اليه بقوله تعالى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ «2».

 [120]: ان للانسان الكامل في اوقات كونه الدنياوى اربع نشئات، و اربعة وجوه من الحياة، و ان كان اثنان منها يرجعان الى نشأة واحدة و حياة واحدة، و هما الحياة النباتية و الحيوانية، و الباقيتان هما الحياة النفسانية و القدسية، فاذا مات فاتت منه الاوليان و بقيت الاخريان الاخرويتان. و للحياة النباتية و الحيوانية قبرا بغير الأوليين اى قبر الجسد و القلب، مقدار تكونهما التدريجى و مدة حركتهما الاستكمالية في دار الدنيا التى هى مغايرة مع ما في علم اللّه من صور الاكوان الحادثة الموجودة في علمه سابقا و لاحقا، ازلا و ابدا.

و اما قبر النفوس و الارواح فإلى مأوى النفوس و مرجع الارواح، فاذا بلغ اجل اللّه الذى هو آت و قرب موعد الممات للملاقاة و الحياة، رجعت الارواح الى رب الارواح قائلين: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ «3»، و عادت الاشباح الى التواب الرحيم «5»، مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ «4».

 [121]: المقابر بعضها فرشية و بعضها عرشية، فان اللّه تعالى بقدرته الكاملة ابدع دائرة العرش بعقلها و نفسها، و جعلها [ب- 18] مأوى القلوب و الارواح في المعاد، و أنشأ بحكمته البالغة نقطة العرش و جعلها مسكن القوالب و الاجساد، و

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 312

جعل الوسائط الحاكمة الناقلة لتنوّعات عوالم الانسان بليّة ملك الموت و نفخة الفزع و نفخة الصعق. فالموت للاجرام، و نفخة الفزع للنفوس، و نفخة الصعق للارواح.

 [122]: اقامة البرهان للعقل من جهة الغايات للحركات الطبيعية للمركبات.

 [123]: قول الحكماء: «تشخّص كل عقل من العقول لازم لماهيته «1»» غير صحيح، لان التشخص مساوق للوجود، و قد ثبت عندهم بالبراهين ان الوجود ليس من لوازم الماهية.

 [124]: ذكر الشيخ الرئيس: «ان الشئ يتشخص بالوضع مع الزمان، و لو لا ان يكون الشئ متشخصا بذاته لما تشخص به شئ آخر، فالوضع يتشخص بذاته»، و هذا غير سديد، لان الوضع كسائر الاشياء الموجودة له وجود و شيئية اى ماهية، و كل ماهية اذا لو حظت في ذاتها لم تمتنع الشركة، و اذا اخذت مع نحو وجودها العينى امتنعت الشركة، فالوجود لاى ماهية كانت هو المتشخص بذاته، و كذا في ما لا ماهية له على الطريق الاولى.

 [125]: ليس فيما ذكره العلامة الدوانى في حاشية «التجريد» و سمّاه ذوق المتألهين من كون موجودية الماهيات بالانتساب الى الوجود الحقّ معنى التوحيد الخاصى اصلا و لا فيه ذوق من اذواق الالهيين، بل كل من زعم ان الوجود الخاص لكل موجود ممكن امر اعتبارى عقلى [الف- 19]، و ان الواقع في العين هو ذاته لا وجوده، فله ان يدّعى ما ادعاه هذا الفاضل، و لا فرق الّا بتسمية هذا الامر الاعتبارى المصدّر بالانتساب الى الجاعل و عدمها ... «2» و الامر فيه سهل، على ان في صحة هذا

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 313

الاطلاق محل نظر «1»

 [126]: تحقيق كون نبيّنا صلى اللّه عليه و آله معلما للانبياء السابقين و للاولياء اللاحقين الى يوم الدين، و مقدم الجماعة في فتح باب الشفاعة.

 [127]: اقامة البرهان على وجود العقل ذى القوة الغير المتناهية، المأخوذ من جهة استقامة بسائط العناصر الطبيعية او القسرية، و مباديها المستدعية لاثبات السماء المحددة للضوئين الاعلى و الاسفل الحقيقيتين.

 [128]: قد بيّنّا في بعض رسائلنا بالبرهان ان للوجود ثلاث مراتب: اولها «2»:

الموجود الذى لا يتعلق بغيره، و لا يتقيد بقيد اصلا. ثانيها: الموجود «3» الذى يتعلق «4» بغيره، و هو الوجود المقيد من العقول و النفوس و طبايع الافلاك و الكواكب و العناصر و المركبات. و ثالثها: الوجود المنبسط الذى ليس عمومه على سبيل الكلية و لا خصوصه «5» على سبيل التقيد بقيد مشخص او مخصص، و هو اصل العالم و محض النور و الحياة السارية في جميع السماوات و الارض، و هو غير الوجود الانتزاعى الذى هو كساير المعانى الكلية الموجودة في الذهن، و له ايضا وجود خاص مقيد به.

و الى هذه المراتب وقعت الاشارة في كلام بعض العرفاء «6» حيث قال: «الوجود الحق هو اللّه، و الوجود المطلق فعله، و الوجود المقيد اثره»، و مراده من الاثر نفس الماهية التى بمنزلة القيود و الوجودات الخاصة، و هى ليست مجعولة الّا بالعرض.

 [129]: تحقيق ان صورة الانسان آخر [الف- 20] المعانى الجسمانية «7» و اول المعانى الروحانية، و لهذا سمّاها بعضهم طراز عالم الامر. و قد بيّنّا في مواضع ان المرتبة المسمّاة بالعقل الهيولانى صورة كل مادة في هذا العالم، و مادة كل صورة في‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 314

عالم آخر، اى عالم العقول.

 [130]: طريق معرفة الحقّ من جهة «1» معرفة النفس بذاتها يرجح على ما في طريق الطبيعيين و غيرهم الذين يستدلون من جهة الحركة او من جهة حدوث الاجسام، او تركّبها من المادة و الصورة، بان سالك هذه الطريقة هو عين المسلك فان النفس هى صراط اللّه المستقيم.

و اما طريقة الصديقين الذين يلاحظون حقيقة الوجود المطلق و يصلون الى شهود الحقّ فيفضل على سائر الطرق، بان الوجود ههنا هو الطالب و المطلوب و الطلب «2»، و هو الشاهد و المشهود و الشهادة: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ «3». ثم به يعرف كل شئ على اليقين، و هو البرهان على كل شئ، اذ العلم به يستلزم العلم بكيفية الصدور على الترتيب «4» السببى و المسببى في النظام الوحدانى «5»، أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ «6».

 [131]: دفع اشكال اورده الامام الرازى في تعيّن الطبائع، و هو انضمام التعين الى الطبيعة مّا يحتاج الى كون تلك الطبيعة متعينة بتعين آخر. و ما ذكره المحقق الطوسى في النمط الرابع من «شرح الاشارات «7»» غير واف بحلّ هذا الاشكال.

الجواب الحاسم لمادة الشبهة موكول الى تحقيق «8» مسألة الوجود و كيفية انضمامه [ب- 20] بالماهية. «10»

 [132]: تحقيق ان طاعة الملائكة لرب العالمين غير طاعة البشر بالنوع، لانها اضطرارية و هذه اختيارية، و انما مثلها كطاعة الحواس الخمس للنفس الناطقة من حيث انه «9» لا تحتاج في ايراد اخبار مدركاتها الى النفس الى امر و نهى و وعيد، بل‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 315

كلما همّت النفس بامر محسوس اتتك الحاسة لما همّت به و اوردته اليها بلازمان و لا تهاون و لا عصيان، و هكذا طاعة الملائكة لرب العالمين: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «1». و ايضا ان الحواس لا تعلم ان للمحسوس وجودا في الخارج بل هذا شأن النفس، و بهذا الوجه مثلها كمثل الملائكة المهيّمة على ما ورد في الحديث:

إنّ للّه ملائكة لا يعلمون أنّ اللّه خلق آدم و ذرّيّته.

 [133]: توجيه ما ذكره الشيخ في «القانون» ان الجليدية خلقت في فرطحة «2» الشكل ليكون اوفر انبساطا لصور «3» المبصرات الى «4» غيرها، و وجّه العلامة الشيرازى فى شرحه للكليات و اعترض عليه؛ و دفع ما اجاب به غياث الحكماء عن ذلك في رسالة له في الهيئة بمقدمات هندسية مناظرية ذكرناها في شرحنا «5» ل «الهداية الاثيرية «6»».

 [134]: تحقيق ما ذكره الشيخ- قدس سره- من ان الوقوف على حقائق الاشياء ليس في قدرة البشر، و نحن لا نعرف من الاشياء الّا الخواص و اللوازم، و توجيهه على غير ما اوّل به القوم.

 [135]: تحقيق كلامهم [الف- 21] ان العلم بالسبب التام يوجب العلم التام بالمعلول.

 [136]: وجود كل معلول من لوازم حقيقة العلة له من جهة كونها علة، لست اقول من جهة اضافة العلية و الّا لكانت العلة و معلولها في درجة واحدة من الوجود كسائر المتضايفين.

 [137]: [تحقيق‏] قولهم: «العلم بذى السبب لا يحصل الّا من جهة العلم‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 316

بسببه»، مما يشكل في علم النفس بذاتها الذى هو عبارة عن وجودها الفائض من الحق تعالى؛ و فيه سرّ عظيم.

 [138]: دفع ما احتج به الشيخ الاشراقى على كون الجنس و الفصل غير متحدين في المركبات من بقاء الجنس مع زوال الفصل؛ كالجسم النامى اذا قطع و الحيوان اذا مات زال الفصل كالنامى و الحساس و بقى الجسم، و هو الجسم و البدن؛ و ذلك لان الباقى «1» هو الجسم بالمعنى الذى هو مادة ما «2» لم يبق الجسم بالمعنى الذى هو جنس؛ و قد ثبت الفرق بين المعنيين في علم الميزان، و لا يبعد كون الشئ باقيا باحد الاعتبارين زائلا بالاعتبار الآخر.

 [تتمة]: و مثل هذا الاشتباه وقع لصاحب «روضة الجنان» حيث اعترض «3» على ما قاله شارح «التجريد» و غيره في اثبات بقاء الموضوع في حركة النمو و الذبول: «ان زيدا الشاب هو بعينه زيد الطفل، و ان عظمت جثّته، و زيد الشيخ بعينه زيد الشاب و ان صغرت جثّته» بان المراد من بقاء زيد ان كان بقاء نفسه فليست نفسه نامية [ب- 21] و ان كان بقاء بدنه فليس بدنه باقيا لاستيلاء الحرارات الغريزية و الغريبة و المطيفة به عليه بالتحليل، كما بنى عليه تجرد النفس. فان ما ذكره مغالطة نشأت «4» من سوء الاعتبارات و اخذ مادة الشئ مكان جنسه؛ اذ لا شبهة في ان زيدا مثلا جسم نام ناطق. فالجسم بالمعنى الذى هو جنس يصدق على مجموع بدنه و نفسه، و الذى لا يصدق عليه هو الجسم بالمعنى الذى هو به مادة و هو جزؤه، فما هو الجزء غير محمول عليه، و ما هو محمول عليه ليس بجزء. و علم بهذا ان قسمته غير حاصرة ايضا.

 [139]: انا قد وضعنا قاعدة في استعلام كون الجزء الصورى للشئ جوهرا او عرضا مقوما للجزء المادى «5» فى وجوده او متقوما به؛ عليك بها فانها كثيرة النفع، ذكرناها في مباحث الصور النوعية في كتابنا الكبير «6».

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 317

 [140]: مذهبنا ان الجوهر الصورى قابل الاشتداد و التضعيف، و كذا المتضاد.

و لو لم يكن صور العناصر قابلة لهما و لم يوجد لها في انقلاباتها مرتبة هى آخر المراتب بعضها بحسب القوة، و اولى المراتب للاخرى بحسب الضعف او بالعكس، لكان يلزم خلق المادة في زمان عن صور العناصر كلها، و هذا ممتنع. فيجب ان الماء اذا استحال هواء بلغ في لطافته الى درجة هى آخر درجات الماء في اللطافة، و اول درجات الهواء في الكثافة [الف- 22]؛ و ان الهواء اذا انقلب ماء بالتكثيف يجب بلوغه الى درجة هى آخر درجات كثافة الهواء، و اول درجات لطافة الماء.

 [141]: تحصيل ما ذكره فيثاغوريون: «ان مبادى الموجودات هى العدد» بوجه برهانى.

 [142]: مقتضى كون الشمس بمنزلة القلب في الانسان الكبير- اى مجموع عالم الجسمانى، و- كون الانوار فائضة على ساير الكواكب من المبدأ الفياض بسببها، كما يقتضى الحرارة الغريزية على باقى الاعضاء بوساطة القلب، هو ان يكون انوار سائر الكواكب من المبدأ الفياض بسببها ذاتية، لا كوجه الارض و صفحة القمر، على خلاف ما توهمه بعضهم و استدل بذلك عليه.

 [143]: تأويل قوله تعالى: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ «1».

 [144]: تحقيق كون الفاعل و الغاية و المادة و الصورة للشئ كلها حقيقة واحدة متفاوتة في الكمال و النقص، كمالها بالغاية و نقصها الاخس بالمادة.

 [145]: مقعّر فلك المنازل سقف جهنم، و هذه الكواكب كلها جمرات نار الجحيم موقدة تحت الجنة، أرضها الكرسى و سقفها عرش الرحمن، كما ورد في الخبر: و بهذه الجمرات الموقدة بحمّة القدر يطبخ طعام أهل الجنّة و ينضج فواكههم.

و لا يعرف قدر هذه المعانى الّا اهل الكشف و الشهود، و عندنا برهان عليها، و

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 318

كتاب ينطق بالحق لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «1». [الف- 22]

 [146]: تعريف الجسم بالجوهر القابل للابعاد الثلاثة تعريف حدّى لا يرد عليه ايراد الامام الرازى: ان القبول من المضاف، لا لما ذكره المحقّق الطوسي في جوابه:

ان جزء التعريف هيهنا هو القابل لا «2» القبول، اذ لا فرق بينهما في كونهما من باب المضاف «3» اذا كان المراد نفس «4» مفهوم الصفة «5»؛ لانّ المراد منه ما من شأنه القابلية، و كثيرا ما يعبّر عن مبادى الفصول الذاتية باللوازم الاضافية كالناطق و الحساس و النامى و غيرها.

 [147]: الحقّ عندنا ان النفس تفعل حركة الانتقال بتوسط الطبيعة، بالمعنى الذى تكررت الاشارة اليه منّا. و اما قول بعض الحكماء: لو لا استحالة الطبيعة محركة للاعضاء خلاف ما يوجبه ذاتها «6» طاعة للنفس لما حدث اعياء «7» عند تكليف النفس اياها، و لما تجاذب مقتضى النفس و مقتضى الطبيعة عند الرعشة.

فالجواب عنه يحتاج الى زيادة كشف حكمى، و هو ان الطبيعة التى هي قوة النفس و تفعل بتوسطها الأفاعيل النفسانية هى غير الطبيعة التى «8» توجد في بسائط العناصر و مركباتها، و تسخير النفس لاحديهما ذاتى و للاخرى قسرى، و الطبيعة التى تفعل النفس بها حركة الانتقال الارادى هى متحدة الذات بوجه مع النفس، بمعنى ان النفس نازلة في مرتبتها؛ و امّا «9» الاخرى التى يقع بسببها الاعياء و الرعشة فهى جزء البدن.

ثم اعلم ايضا ان المادة التى تتصرف فيها النفس اولا ليس هذا البدن الثقيل الذى يقع لها بسببه الاعياء، بل هو الروح الدماغى اللطيف، و هو البدن الاصلى و هذا بدن البدن و غلافه «11» و وعاؤه، و لا يحصل بسببه ذلك «12» الاعياء و لا الرعشة، لانه [الف- 23] مناسب لجوهر النفس.

 [148]: مفهوم المشتق عند جمهور علماء اللسان مركب من الذات و المبدأ و النسبة، و عند بعض المحققين هو عين مبدأ الاشتقاق بالذات. و الفرق بين العرض و العرضى بالاعتبار، فان اخذ لا بشرط شئ فهو عرضى محمول، و ان اخذ بشرط

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 319

لا شئ فهو عرض غير محمول؛ و الشئ ههنا هو الموضوع، و هذا كالفرق بين الفصل و الصورة؛ [و] عند استاذنا- دام ظله- هو الموضوع من حيث نسبته الى مبدأ الاشتقاق. و عند هذا الفقير ان المشتق ما ثبت له الصفة سواء كان من قبيل ثبوت الجزء للكل او ثبوت الشئ لنفسه او ثبوت العارض للمعروض. فالقدر «1» المشترك بين هذه المعانى الثلاثة هو مفهوم المشتق، و هذه «2» الثلاثة افراده. و الدليل على صحة ما ذكرناه اطلاق المنطقيين الكلى على العارض و المعروض و المجموع منهما، فيقولون للاول: الكلى المنطقى، و للثانى: الطبيعى، و للثالث: العقلى.

 [149]: مبنى «3» قول الحكماء في اثبات الشكل «4» الكرى للجسم البسيط ليس كما توهمه الناس امتناع صدور الكثير عن الطبيعة الواحدة «5» مطلقا، حتى يرد الاعتراض عليهم بان تلك القاعدة انما تجرى في الواحد الحقيقى الذى لا كثرة فيه اصلا لا بالذات و لا بالجهات و الحيثيات، و الطبيعة يكون «6» فيها اختلاف «7» الحيثيات، او [ب- 23] لا ترى ان العقل الذى هو ابسط منها يفعل امورا كثيرة بواسطة جهات كثيرة كالماهية و الامكان و الوجوب؟ و ايضا يلزم ان لا يكون في الجسم البسيط كالارض مثلا صفات متكثرة لطبيعته كالثقل و اليبوسة و البرودة و السكون و الشكل و اللون و غير ذلك.

بل مقصودهم و مبنى «8» كلامهم ان البرهان قائم على ان تكثّر اشخاص نوع واحد يفتقر الى اختلاف المواد او اختلاف استعداداتها- كما بيّن في مقامه- فاذا فرض الفاعل واحدا و القابل واحدة فلا يمكن ان يفيض منه اليها من كل نوع الّا شخصا واحدا، او غير الكرة من الاشكال المضلّعة او المفرطحة «9»، توجد فيها اشياء من نوع واحد، و اقلّها الاختلاف في الامتدادات.

 [150]: لا يوجد جسم من الاجسام بسيطا كان او مركبا الّا و له نفس و حياة،

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 320

لان مصور الهيولى بالصورة لا بد و ان يكون امرا عقليا، و العقل لا يفعل «1» صورة في الهيولى الّا بواسطة النفس، لان الاجرام كلها سيّالة متغيرة متحركة في ذاتها.

 [151]: حقيقة الهيولى هى الاستعداد و الحدوث، فلها في كل آن من الآنات صورة اخرى مثل الصورة الاولى، و لتشابه الصور في الجسم سيما البسيط خاصة ظن ان فيه صورة واحدة مستمرة، و ليس كذلك بل هى صور متفاوتة على نعت الاتصال، لا بان يكون متفاصلة متشافعة حتى يلزم تركّب «2» الزمان و المسافة من غير المنقسمات. و اليه الاشارة في قوله تعالى [الف- 24]: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ «3».

 [152]: ذهب صاحب «التلويحات» الى ان تشخّص الاشياء و امتناعها من قبول الشركة انما يكون بهوياتها العينية؛ و هذا في الحقيقة يناقض قوله بعدم حصول الوجود في الاعيان، و ان «4» اثر الجاعل نفس الماهية دون وجودها، و ليس بمطلوب «5» غير الماهية، و الوجود شئ يسمّى بالهوية. من العجب ان الشيخ الاشراقى اقام حججا كثيرة في اوائل الهيات «التلويحات «6»» على «7» ان الوجود امر اعتبارى لا صورة له في الاعيان، ثم صرّح في اواخر هذا الكتاب بان النفوس الانسانية و العقول المفارقة كلّها وجودات عينية بلا ماهية. و هل هذا الّا تناقض صريح وقع من هذا العظيم!

 [153]: حكم الشيخ الرئيس في مباحث العلة من الهيات «الشفاء «8»» بان العلة الفاعلة لا يجب ان يفعل ما يشابهه و يناسبه، و مثّل ذلك بالنار فانها تسوّد، و بالحركة فانها تسخّن؛ ثم حكم في رسالة «العشق»: «ان كل منفعل عن مفعل فانما

مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين         333    11 شواهد الربوبية

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 321

ينفعل بتوسط مثال واقع من المفعل فيه، و كل مفعل انما يفعل في قابل الانفعال بتوسط مثال يقع منه فيه» «1»، و مثّل ذلك بامثلة حيث قال: و «ذلك: مبيّن «2» الاستقراء، فان الحرارة النارية انما يفعل في جرم من الاجرام بان يضع فيه مثالها و هو السخونة، و كذلك سائر القوى من الكيفيات، و النفس الناطقة انما تفعل في نفس ناطقة مثلها بان تضع فيها مثالها، و المسنّ «3» انما يحدد السكين بان يضع في جوانب حده مثال ما يناسبه [ب- 24] و هو استواء الاجزاء و ملاستها» «4»

و اجاب عن النقض بان الشمس تسخّن و تسوّد من غير ان يكون السخونة و السواد مثالها، ب «ان كلامنا في المؤثر القريب المباشر». و لا شبهة في ان هذين الحكمين منه متناقضان، و الحقّ ان الفاعل يؤثر بوجوده في وجوده المعلول «5»، و الوجودات من حيث كونها وجودا متماثلة، متفاوتة.

 [154]: اعترض الفاضل الخفرى على القائلين بحصول صور الموجودات في ذاته تعالى ب «ان تلك الصور اما جواهر او اعراض، فان كان الاول لزم ان يكون موجودات عينية لا بد لها من صور آخر للعلم بها، و الكلام في ذلك كالكلام في اصل الصور. و ان كان الثانى لزم ان يكون الواجب بالذات محلا لها و فاعلالها، و القول لكون الواجب فاعلا لها لا محلّا لها «6»، لكونه غير متأثر عنها، قول بكونه جوهرا «7» لها» انتهى. و قد اجبنا عنه في «المبدأ و المعاد «8»» و بيّنّا وجه المغالطة و الاشتباه في كلامه و عدم اطلاعه على كيفية هذا المذهب، و ان كان غير صحيح عندنا بوجوه اثبتناها في مواضع تليق بها.

 [155]: قال صاحب «روضة الجنان» معترضا على الشيخ الرئيس: «ان ما قرره‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 322

من ان حصة الجنس تبطل بزوال فصله و الّا لكان الفصل عرضا، مقدوح منقوض بمواضع: منها: الشجر المقطوع زال فصله و هو النامى، و بقى جنسه و هو الجسم. و منها: ابدان موات الحيوانات»، انتهى. [و] قد اخذ هذا [الف- 25] الاعتراض من كلام شيخ الاشراقيين، و قد مرّ وجه الدفع «1».

 [156]: قال الحكيم الفيلسوف: «مطلب «لم هو واحد في العالم العقلى» يؤكد ما قررناه [و] ثبوت «2» ما اثبتناه من ان اثر الجاعل المبدع وجود المعلول لا ماهيته، فتدبّر. و انما وقع الاختصاص بذلك العالم، لان الماديات تسبقها مادة حاملة لا مكاناتها و ماهياتها قبل وجود «3» الحاصل من الفاعل.

 [157]: عند المشائين ان التفاوت بين الاشد و الاضعف في «4» السواد يرجع الى فصول السواد، حتى لا يلزم عليهم خلاف الفرض و هو وقوع التشكيك في امر خارج من السواد. و اعترض عليهم صاحب «المطارحات»:: ب «ان الفصل لطبيعة الجنس، و هو في مفهومه غير مفهومه الجنس، فصار حال الفصل كحال العرضى «5» الاخر، لانه من جملة العرضيات و هو خاصة للجنس، فاذا الاشتداد به، فيكون فيما وراء السواد» «6».

و قد وقع منّا «7» دفع هذا الاعتراض في سالف الاوقات، بان الفصل في ذاته امر بسيط يلزمه مفهوم الجنس، ففصل السواد و ان كان في اعتبار ذاته من حيث هى هى غير معنى السواد الّا انه بنفسه مصداق حمل السواد عليه، لان السواد يلزم ذاته في الواقع و ان لم يلزمه في مرتبة من مراتب الواقع، و الواقع اوسع من هذه المرتبة. و نقول بلسان هذا «8» الوقت: ان فصل الشى‏ء هو بعينه نحو وجوده- كما الهمنا اللّه به- فالوجود و ان كان غير الماهية بوجه الّا انه عينها في نفس الامر، و اليه يرجع‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 323

احكامها الخارجية و آثارها. ففصل «1» السواد سواد و لا يؤخذ «2» في حده السواد، كما ان فصل [ب- 25] الجوهر جوهر و لا يؤخذ «9» في حده الجوهر، اذ لاحد للفصل كما لا حد للوجود، فتفكّر و تنوّر.

 [158]: قال صاحب الاشراق: «اذا لم تكن لفصول الجواهر جوهرية في ذاتها بل تكون جوهرا بجوهرية الجنس، فهى في ذاتها اذا لم تكن جواهر كانت اعراضا».

و نقول- كما اشرنا اليه سابقا-: ان معنى كون فصل الجوهر ليس بجوهر ان الجوهرية غير داخلة في حده، و عدم دخول معنى في حد الشى‏ء لا يستلزم اتصافه بما ينافيه، و الّا لكانت الاعراض جواهر، لان مفهوم العرض غير داخلة في حد شئ من الاعراض، لانه عرض عام لجميع المقولات العرضية. و الحل في الموضعين: ان الواقع اوسع من مرتبة الواقع، فربما تخلو المرتبة من النقيضين و لا يخلو الواقع منهما.

 [159]: و اعلم ان الصور النوعية لما كانت عين حقايق الفصول الجوهرية فهى ليست بجواهر في ذواتها اعراض «3»، لان حقايقها بسيطة وجودية تلزمها الجوهرية، كما تلزم الاعراض العرضية، فليست هى حدود، و انها «4» جواهر «5» و لا اعراضا.

 [160]: قول بعض الحكماء: «ان نفوس البله و الضعفاء تنتقل الى عالم الافلاك، و يصير بعض الاجرام الفلكية موضوعا لتخيلاته» ليس بصحيح و ان كان قد استحسنه الشيخ الرئيس، و قال «انه كلام من لا يجازف في الكلام»؛ و قال المحقق الطوسى: «ان المراد منه الفارابى»؛ و ذلك انها ان كانت ستصير نفسا لها فيلزم منه محالات: احدها: التناسخ. و ثانيها: كون الجرم الا بداعى موضوعا لتصرف امر [الف- 26] مباين لنفسه. و ثالثها: حركته حركة مخالفة لحركته البسيطة الدائمة، اذ الادراكات الجزئية و الانتقالات الخيالية «6» لا تخلو عن حركة آلة الادراك «7»، و ان لم- تصر نفسا فاى علاقة يكون لها؟ و العلاقة اما «8» نفسانية و اما بدنية بمشاركة اوضاع‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 324

البدن، فالنفس لا تقع لها نسبة الى غير بدنها الّا بواسطة نسبة وضعية لبدنها الى غير بدنها، فلو كان بعض تلك الاجرام بمنزلة مرآة تشاهد النفس فيها مثل المحسوسات، فان كان آلة طبيعية للنفس كالدماغ فلا بد ان تتصرف النفس فيها كما تتصرف في الروح الدماغى، و قد علمت استحالته بوجوه ذكرناها؛ و ان كانت آلة خارجية كالمرائى المتخذة «1» من الاجسام الصقيلة مثل الزجاج و الحديد و الماء الصافى «2» فلا بد من آلة طبيعية قبلها تكون لها نسبة وضعية اليها حتى تشاهد النفس ما ينعكس من الصور في المرآة الخارجية «3» الى المرآة الداخلية «4»، فتعود مفسدة التناسخ.

 [161]: اعتقادنا ان السماء في النشأة الاخرى تزول عنها هذه الاوضاع و تقف عن الحركات و تنفكّ عنها «5» الهيئات و الاشكال، و الكواكب تسقط منها و تهبط و تصير بلا انوار و تلتهب نارا، فيصير متصلا بعضها ببعض حتى يكون كالدائرة حول الارض، و انما يهبط منها ما كان نارا محضة، و يصعد منها ما كان نورا محضا، فتبقى النفوس الشريرة الدنسة «6» الخبيثة «7» حول جهنم حيث احاطت بهم خطيئاتهم، و احترقت بالنار الى الابد في عقاب السرمد، و تصعد النفوس الشريفة الخالصة النقية الى عالم النور [ب- 26] و الحسن و البهاء، و غشيهم انوار الملكوت في ثواب السرمد، و هناك الصور الحسان «8» و اللذات المتوافرة في الجنان و مجاورة الرحمن.

 [162]: لو لم تكن الطبيعة امرا سيّالا متجدد الذات لم يمكن «9» صدور الحركة عنها، لا ستحالة صدور المتغير عن الثابت، و كذا حال القابل لها كالجسم. و اما ما في المشهور من ان الطبيعة لا تقتضى الحركة ما لم يلحقها امر غريب عن ذاتها، مثل الخروج عن مكانها الطبيعى، فبحسب درجات القرب و البعد في الحدود الواقعة في اجزاء المسافة تنبعث منها اجزاء الحركة، و بحسب جزئيات الحركة تنبعث منها درجات القرب و البعد و هكذا، فليس ببالغ «10» حد الاجداء، و لا يقع للبصير المحدق به‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 325

الاكتفاء. فالحركة «1» بمنزلة شخص روحه الطبيعة، كما ان الزمان بمنزلة شخص روحه الدهر، و الطبيعة بالنسبة الى النفس كالشعاع من الشمس.

 [163]: الفاعل المباشر لجميع الحركات هى الطبيعة، اما الحركة الطبيعية «2» فليس فيها كلام، و اما القسرية ففاعلها طبيعة مقسورة مجبورة، و اما الارادية ففاعلها طبيعة مسخرة مطيعة خادمة للنفس.

 [164]: للنفس في هذا العالم في افاعيلها الجسمانية طبيعتان مقهورتان تخدم احديهما لها طوعا و الاخرى كرها، كطاعة السماء و الارض للبارى جلّ مجده، فان اتيان السماء له تعالى طوع و اتيان الارض له كره بوجه و طوع بوجه آخر، و لهذا قال: ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً- ثم قال [الف- 27] قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ «3». فان مقتضى طبيعة الارض اولا الجمود و التسفل و التعصّى عن قبول الاستحالات و الانقلابات، ثم بعد قبول الاستعدادات و لحوق الصور و الكمالات صارت كالسماء قابلة لانوار المعرفة و الاهتداء. اما الطبيعة التى تخدم النفس طوعا فهى ما تفعل الافعال الطبيعية في البدن كالجذب و الدفع و الهضم و الاحالة و الالصاق و التمدد و القبض و غير ذلك، و اما التى تخدمها كرها فهى التى يتركب منها البدن و تفعل بها الافاعيل الخارجة كالمشى و الكتابة و الصلاة و الطواف و غير ذلك من الصنايع البدنية.

 [165]: الوجود عندنا كلّه نور، و الاشراقيون و حكماء الفرس وافقونا في البارى و العقول و النفوس و الانوار العرضية التى يدركها البصر كنور الكواكب و السرج دون الطبائع و الاجسام، و لو لم تكن الطبيعة نورا في اصلها لما وجدت بين النفس و بين الهيولى، فانها فائضة من النفس و تنبعث منها الهيولى، و هى اول ما ظهر من الظلام، فهو جوهر مظلم فيه ظهرت الاجسام الكثيفة و الشفافة، و كل ظلام فى العالم من جوهر الهباء الذى هو الهيولى، و بما هى في اصلها من النور قبلت‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 326

جميع الصور النورية للمناسبة، فانتفت ظلمتها بنور صورها، فان الصورة اظهرتها، فنسبت «1» الظلمة الى الطبيعة في اصطلاح العقلاء؛ و عندنا ليست كذلك.

ثم ان كل جسم نسبت اليه الظلمة اذا تلطف يصير مستنيرا [ب- 27]، او لا ترى ان الحطب و هو جسم مظلم كما يترا أى، فاذا لطّفته مجاورة النار يصير دخانا مشتعلا نيّرا. و ههنا سرّ آخر و هو ان حركة الانماء في النباتات ينتهى بها «2» الى تحصيل البذور و اللبوب التى في الثمار، و الغاية في البذر و اللب هو «8» الذى تحصله الطبيعة النباتية. و الدهن بمجاورة النار التى فعلها التلطيف يصير نيّرا. فعلم ان غاية فعل الطبيعة التى في النبات هو «9» النور، كما ان الفاعل هو النور و هو الطبيعة كما مر. فاذا كانت غاية فعل الطبيعة و فاعله النور فما ظنك بغاية فعل الحيوان و فاعله، فالوجود كله نور، و الظلمة عدمية.

 [166]: ما ذكره صاحب الاشراق في كتابه المسمى ب «المشارع» فى جواب من شكك في تجرد النفس «3» بقول القائل: «دخلت و خرجت و جلست و قمت من الافاعيل التى تنسب الى الجسم» من انه اذا حققت الحقايق و قام البرهان على تجرد النفس، فالتمسك بهذه الالفاظ لا حاصل له؛ مراده ان هذه الاطلاقات اللفظية مجازات في النسبة؛ و عند العرفاء ليست كذلك بل كلها حقيقة لغوية، فان النفس من جهة الافاعيل مادية، و بناء ما ذكره على الذهول عن حقيقة النفس و شؤونها.

 [167]: قول الاسكندر الافروديسى و غيره من الاقدمين بفناء النفوس الناقصة التى لم «4» تصر مدركة للمعانى العقلية و لم تكتسب كمالا علميا عند فقدان البدن قوىّ، الّا ان مبناه على عدم الوقوف على نشأة اخرى متوسطة بين [الف- 28] نشأة العقليات و نشأة الدنيا، و هى معاد النفوس المتوسطة بين «5» المجردات و بين الحيوانات اللحمية «6»، فهى مع تجردها عن هذا البدن غير متجردة عن التعلق بالابدان المعلقة، قتبقى بحيوانيتها في دار الجزاء ابدا، فتثاب او تعاقب، و اليها وقعت الاشارة «7» بقوله‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 327

تعالى: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «1».

 [168]: النفس من حيث هى نفس حقيقتها نار معنوية، و لهذا خلقت من نفخة الصور «2»، فاذا نفخ في الصور المستعدة للاشتعال النفسانى تعلقت بها نار النفس، و النفس بعد استكمالها و ترقيها الى مرتبة الروح المنفوخ تصير نارها نورا محضا لا ظلمة فيه و لا احراق معه.

 [169]: النفخة نفختان: نفخة تطفى النار، و نفخة اخرى تشعلها. فوجود النفس من النفس الرحمانى و كذا هلاكها؛ و تحت هذا سرّ آخر. فعلم ان ما ورد في لسان بعض اساطين الاقدمين ان النفس نار او شرار او شعلة ليس مجرد تمثيل او مجاز لفظى، و كذا الحال فيما ورد من صاحب شريعتنا.

 [170]: اعتقادنا في افاعيل العباد مفاد قوله تعالى: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏ «3»، و قوله: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ «4». فاخمد ضرام او هامك ايها الجبرى، فالفعل ثابت لك بمباشرتك ايّاه. و سكّن جأشك «7» ايها القدرى، فان الفعل مسلوب عنك لان وجودك اذا قطع النظر عن ارتباطه و افتقاره الى وجود الحقّ فهو باطل، فكذا فعلك، اذ كل فعل يتقوم بفاعله؛ و انظرا بعين الاعتبار في فعل الحواس كيف انمحت و اندرجت في [ب- 28] ارادة النفس و تصورها، و اتلوا جميعا قوله تعالى:

قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ «5»، و تصالحا بقول الامام بالحق عليه السّلام: لا جبر و لا تفويض، بل أمر بين الأمرين «6».

 [171]: الاعتقاد في الكلام ليس ما يقوله الاشعرى من انه المعانى القائمة بذاته تعالى، و الّا لكان علما لا كلاما؛ و لا مجرد خلق الاصوات و الحروف الدالة على‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 328

المعانى، و الّا لكان كل كلام كلام اللّه؛ بل عبارة عن انشاء كلمات تامّات و انزال آيات محكمات و اخر متشابهات في كسوة الالفاظ و العبارات؛ و الكلام قرآن بوجه و فرقان بوجه، و هما جميعا غير الكتاب، لانه من عالم الخلق و هما من عالم الامر، و الكتاب يدركه كل احد «1»، و الكلام لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «2» من ادناس الطبيعة، و القرآن خلق النبى دون الكتاب.

 [172]: البرهان العرشى على ان القوة الخيالية جوهر مجرد عن البدن و عوارضه و ساير الاجسام الطبيعية و عوارضها، بانها قوة تدرك الصور و الاشباح المثالية التى هى غير محسوسة بالفعل و لا قابلة للاشارة الحسية، اى ليست من ذوات الاوضاع اصلا، و كل جسم و جسمانى فهو من ذوات الاوضاع بالذات او بالعرض، فلو كان الخيال قوة جسمانية لكانت الصور القائمة بها من ذوات الاوضاع فى الجملة، و ليست كذلك؛ هذا خلف.

 [173]: قد اشرنا الى حقيقة التناسخ بحسب الباطن، و مسخ البواطن قد كثر فى هذا الزمان كما ظهر المسخ في الصور الظاهرة في [الف- 29] بنى اسرائيل [بقوله‏]: وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ «3»، لا بمعنى انتقال نفوسهم من ابدانهم الى ابدان مباينة، لان ذلك مستحيل بالبرهان، بل بان ينقلب القلوب، حوّل اللّه قلوبهم بما كسبت ايديهم و جبلت «4» عليه نفوسهم بسبب مزاولة اعمال شهوية او غضبية او شيطانية قلوب البهايم و السباع و الشياطين، و كان قوة نفوسهم بغلبة الملكات البهيمية و السبعية و الوهمية اثّرت في ابدانهم فصيّرها كابدان هذه الحيوانات الهالكة.

و قال بعض ائمة الكشف و الشهود: «انه لا بد في آخر الزمان ان يظهر المسخ فى هذه الامة، و لكن في اليهود منّا «5» لا في المسلمين، فان الايمان يحفظهم لأجل نور

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 329

التوحيد، فما يمسخ «1» من هذه الامة الّا يهودى او منافق» انتهى. اقول: يهود هذه الامة كل من جحد وجود الملائكة العقلية، و انكر وجود عالم الغيب، و لم يخرج قدم ذهنه من عالم المحسوسات: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ «2».

 [تكملة]: و انما يظهر المسخ منهم خاصة لغاية تعلق نفوسهم بتلك الهيئات الخسيسة، حتى تصير صور ذواتهم مبادى تلك الصفات الحاجبة لنفوسهم عن الارتقاء الى عالم الملكوت، فتؤثّر في ابدانهم لما تقرر ان بدن كل شخص صورة ذاته، و ان ظاهر كل احد «3» عنوان «4» باطنه، و ان الخلق- بالضم- تؤثّر في الخلق- بالفتح-.

 [174]: الوحدة ليست عرضا من الاعراض اللاحقة، و وحدة [ب- 29] الجواهر كوجودها ليست زائدة على ذواتها في الاعيان، بل انما زيادتها في التصور. و العجب من الشيخ كيف ذهب عليه هذا المعنى، و اعجب منه انه قد صرّح في المواضع بان الوحدة في الجوهرىّ «5» المتصل عين متصليته، و الاتصال بالمعنى الذى هو فصل الجسم لا شك انه جوهر عنده و سائر الحكماء من اتباع ارسطاطاليس.

فالحقّ ان الوحدة كالوجود من مقومات الوجود العينى لا من عوارضه، و اما اذا اخذت ماهية ما من حيث هى هى فتكون الوحدة خارجة عنها لا حقة بها، و هذا بعينه حال الوجود، فهما واحد.

 [175]: معنى قول الحكماء الهيولى موجودة، و الحركة موجودة، و الاضافة موجودة في الخارج، ان في الاعيان اشياء تصدق عليها حدود هذه الاشياء، فالهيولى‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 330

مثلا و ان كانت امرا عدميا، لان معناه «1» قوة قبول اشخاص الجسم و صورها و اعراضها، لكنها موجودة في الاعيان بمعنى ان في الاعيان تتحقق اشياء يصدق عليها هذا الحد، و كذا الاضافة موجودة بمعنى ان في «2» الخارج امورا كثيرة يصدق عليها حد المضاف، و هو كون الشئ بحيث اذا عقل، عقل معه شى‏ء آخر. و كذا معنى كون الحركة موجودة في الخارج، معناه ان حد الحركة- و هو الخروج من القوة الى الفعل او كمال اول لما بالقوة من حيث هو بالقوة- يصدق على اشياء كثيرة في الخارج، لان في الخارج اشياء [الف- 30] كثيرة بصفة كذا، اى خارجة من القوة الى الفعل، و لها كمال اول من حيث كونها طالبة للكمال الثانى.

 [176]: العاقلية عبارة عن الوجود المفارق للمادة و غواشيها، فالعقول ادراكها لذاتها عين وجود ذاتها في الخارج، و ليست العاقلية و المعقولية عين ماهياتها، و لا من لوازم ماهياتها. فعلى هذا سقط اعتراض الامام الرازى بان علوم «3» المجردات لو كانت بذواتها عين ذواتها لكان كل من عقلها عقلها عاقلة لذواتها. و سقط ايضا قول من قال: ان علومها لو كانت عين وجوداتها لكان من عقلها موجودة عقلها عاقلة لذواتها، و لم يحتج الى استيناف برهان على كونها عاقلة بعد ان اثبت وجوداتها.

و ذلك لان من عقل امرا يكون هو في نفسه عاقلا لذاتها، فلا يقع في نفسه من ذلك الامر الّا ماهية من شأنه كذا، و معلوم ان الوجود ليس من لوازم [يكون هو في نفسه «4» ماهية شى‏ء من الاشياء؛ فالماهية اذا وجدت في الذهن كانت موجودة له لا لنفسها، فيكون وجودها منشأ عاقلية الذهن له لا غير. نعم من علم ان الامر المفارق موجود في الخارج، و علم ان الوجود «5» المفارقى لشئ مناط معقوليته له لكان عالما بان ذلك الامر عالم بذاته، و مع ذلك ليس الوجود الذى يكون المفارق به معقولا

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 331

لذاته عين الوجود الذى يكون به محكوما عليه بالمعقولية عند آخر من العقلاء الذين عرفوا الامور بقياس و فكر، و لا [ب- 30] لازما له؛ فبعد ثبوت الاول يحتمل الشك في الثانى الى ان يقام البرهان.

 [177]: لنا برهان عرشى على ان علمه تعالى بالاشياء الخارجية نفس صورها الخارجية من جهة انها لوازم ذاته، و ليس لزومها مثل لزوم اللوازم الذهنية كالكلية للانسان مثلا، اذ ليس للبارى تعالى وجود ذهنى، و لا كلزوم لوازم الماهية كالزوجية للاربعة، اذ لا ماهية له تعالى غير الوجود البحت، فكل ما هو لازم له يكون لازما لوجوده العينى لزوما خارجيا، فلا يكون حصولها له تعالى الّا حصول الصور العينية للفاعل المقتضى، لا حصول الصور الذهنية للقابل المستفيد.

 [178]: المشهور ان مذهب المعلم الاول و اتباعه ان علمه تعالى بارتسام صور المعلومات في ذاته، و هو «1» خلاف ما وقع التصريح به في اواخر كتاب «اثولوجيا»، قال الفيلسوف في آخر الميمر العاشر: «فاما البارى فانه اذا اراد فعل شي‏ء فانه لا يمثّل في نفسه و لا يحتذى صنعة خارجة منه، لانه لم يكن شي‏ء قبل ان يبدع الاشياء، و لا يتمثل في ذاته لان ذاته مثال كل شي‏ء، فالمثال لا يتمثل». و قال ايضا قبيل هذا:

 «ليس لقائل ان يقول: ان البارى روّى في الاشياء اولا ثم ابدعها، و ذلك انه هو الذى ابدع الروية، فكيف يستعين بها في ابداع الشي‏ء و هى لم يكن بعد، و هذا محال. و نقول: انه هو الروية و الروية لا تروّى ايضا، و الّا «2» يجب ان يكون تلك الروية تروّى، و هذا الى غير النهاية». «3»

 [179]: ما من شي‏ء في هذا [الف- 31] العالم الّا و له نفس في عالم آخر و عقل فى عالم ثالث، حتى الارض التى هى ابعد الاجسام عن قبول الفيض، فانها ذات حياة ما و كلمة فاعلة. و قد استدل على ذلك الفيلسوف الاعظم «4» بانها: «تنمو و تنبت الكلاء و تنبت الجبال فانها نبات ارضى، و في داخل الجبال حيوانات كثيرة و

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 332

معادن، و انما تكوّن هذه فيها من اجل الكلمة ذات النفس، فانها هى التى تصور في داخل الارض، و هذه الكلمة هى صورة الارض التى تفعل في باطن الارض كما يفعل الطبيعة في باطن الشجر، فان الكلمة الفاعلة في باطن الارض تشبه طبيعة الفاعلة في باطن الشجر، و عود الشجر يشبه الارض «1» بعينها، و الحجر الذى يقطع من الارض يشبه الغصن «2» الذى يقطع من الشجر».

ثم قال: «ان الكلمة الفاعلة في الارض الشبيهة لطبيعة الشجر هى ذات نفس، لانه لا يمكن ان يكون ميتة و يقبل «3» هذه الافاعيل العجيبة العظيمة في الارض، فان كانت حيّة فانها ذات انفس لا محالة، فان كانت هذه الارض الحسية التى هى صنم حيّة فبالحرى ان يكون تلك الارض العقلية حيّة ايضا، و ان يكون هى الارض الاولى، و هذه ارضا ثانية لتلك الارض شبيهة بها».

 [180]: ان بعض اجلة المتأخرين «4» قد اشتبه عليه الامر في تعريف العرض الذاتى باللواحق العارضة لذات الشي‏ء او لما يساويه، لما رأى انه ما من علم الّا و يبحث فيه عن عوارض انواع الموضوع و انواع [ب- 31] انواعه و انواع عوارضه، و لم يدّبّر القول فيه، و لم يعلم ان جميع هذه الامور مما يمكن ان يكون من العوارض الاولية لذات موضوع العلم، كما سيظهر لك. فتارة نسب الى رؤساء العلم التسامح و المساهلة في هذا الموضوع، و تارة فرق بين موضوع العلم و موضوع المسألة كما فرق بين محموليهما، ثم زعم انه قد وقع التدافع في كلام الشيخ حيث صرّح بان ما يعرض الشي‏ء لامر اخص- اى يحتاج في عروضه له الى ان يصير ذلك الشي‏ء نوعا متخصصا- فهو عرض غريب، مع انه مثّل العرض الذاتى بالاستقامة و الاستدارة للخط.

و ليت شعرى اىّ تدافع في كلام الشيخ الّا ما يوجبه سوء فهم هذا القائل حيث‏

                       

مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين         342    [تأييد عرشى‏] .....  ص : 339

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 333

لم يفرق بين الاخص من الشي‏ء و بين العارض له لامر اخص منه، و لم يعلم ان الفصول المقسمة للجنس اعراض اولية له، لانها من عوارضه اللاحقة لذاته.

 [181]: ان القوم قد عرّفوا الحلول بتعريفات مقدوحة منقوضة، و التعريف الصحيح ما هدانا اللّه اليه و هو كون احد الشيئين بحيث يكون وجوده في نفسه هو وجوده للآخر. و هذا تعريف سالم عن النقوض و الاعتراضات.

 [182]: البرهان العرشى على وجود الصور «1» المفارقة من طرق: اولها: طريق الحركة، و هو ان طبيعة كل نوع عبارة عن مبدأ حركته [الف- 32]، و الطبيعة ما لم تتحرك في ذاتها لا تحرك شيئا آخر، فهى في ذاتها امر متجدد. فالجوهر المتجدد بنفسه هو الطبيعة، فلا بد لها من حافظ تكون الطبيعة بها ذات وحدة شخصية مستمرة، فينتظم «2» كل صورة طبيعية من جوهر ثابت غير جسمانى و جوهر متغير جسمانى، و ليس ذلك هو المادة لانها في الوجود و التغير تابعة للطبيعة، و لا النفس لانها من حيث نفسيتها كالطبيعة، فلا محالة يكون جوهرا مفارقا حافظا لنوع هذه الطبيعة دو عناية باشخاصها و مراتبها و حدودها.

و ثانيها: طريق الادراك و المدركية، و هو ان في الوجود انسانا محسوسا مثلا مع مادته و عوارضه المحسوسة و هذا هو الانسان الطبيعى، و ان ههنا شيئا هو انسان منظورا الى ذاته من حيث هو من غير اعتبار الاعراض الزائدة على الانسانية. و ان فى العقل شيئا آخر يشترك فيه الكثيرون و يحمل على كل واحد منهم بهو هو، و لا محالة يكون مفارقا عن الخصوصيات و العوارض، و الّا لم يكن يتساوى الى الجميع مع اختلاف مقاديرها و اعراضها، فذلك الوجود المفارقى اما ان يكون في الخارج او فى الذهن؛ فان كان في الذهن يلزم ان تكون. حقيقة الجوهر عرضا مع ان حقيقة الجوهر اولى بالجوهرية اى بكونه موجودا لا «3» فى موضوع؛ هذا محال.

و اما اعتذارات المتأخرين عن ذلك فقد زيّفناها و [ب- 32] مزّقناها كل‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 334

ممزّق، فصارت اوهن «1» من بيت العنكبوت.

و ثالثها: طريق الامكان الاشرف، و القاعدة الموروثة من الفيلسوف الاقدم استاد الفلاسفة.

 [183]: البرهان العرشى على اتحاد العاقل و المعقول. قد «2» علمت ان الصورة المعقولة هى كل صورة فارقت المادة و علائقها، فان كل صورة اقترنت «3» المادة اتصفت بعوارضها فهى محسوسة لا معقولة، و كما ان المحسوسات ينقسم الى ما هى محسوسة بالقوة و الى ما هى محسوسة بالفعل. و المحسوس بالفعل متحد مع الحاس، اذ الاحساس ليس كما هو المشهور من ان الحس يجرد صورة المحسوس من مادته و يأخذها مع عوارضها، لما تعلم من استحالة انتقال المنطبعات من مادتها، و لا بان تنتقل الحاسة الى ان تدرك وجود المحسوس في مادته، بل بان يفيض من الواهب صورة نورية لها يتحصل الادراك، فهى الحاسة بالفعل و المحسوسة بالفعل، المعراة عن الصور. و اما قبل حصولها فلم تكن القوة القابلة حاسة بالفعل و لا محسوسة بالفعل.

و هذا مع ظهوره قد غفل عنه جمهور الحكماء و زعموا ان الجوهر الحاس بذاته المعرّاة عن الصورة يدرك الصور الحاضرة او الحاصلة. و ليت شعرى اذا لم تكن فى ذاته له صورة المحسوس فبأى شي‏ء تنالها «4» بذاته «5» العارية شيئا لم يحصل بعد لذاته، او ينال الصورة بالصورة، فيكون الصورة حاسة و محسوسة، و المفروض خلافه؛ هذا خلف.

لا يقال [الف- 33] انه اذا حصلت الصورة للجوهر الحاس لم يكن «6» عاريا عنها؛ لانى اقول: لو كان حصوله كحصول الصورة للمادة و المادة «7» بها يصير شيئا بالفعل، فكما ليست المادة شيئا من الاشياء المعينة الّا بالصورة، فهكذا ينبغى ان‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 335

تكون القوة الحاسة حاسة بالفعل بهذه الصورة المحسوسة لا قبلها؛ و ان كان حصولها كحصول الاشياء الخارجة عن ذات الشي‏ء، كوجود السماء و الارض لنا، فليس هذا بالحقيقة الّا اضافة محضة. فالموجود لنا ههنا نفس الاضافة، و هى من اضعف الاعراض و لا صورة لها في الاعيان، و حصول الاضافة الى شي‏ء «1» غير حصول ذلك الشي‏ء، فان اضافة الدار و الفرس و العبد لنا لا يوجب وجود هذه الاشياء لنا و حصولها فى انفسنا. نعم ربما يحصل صورها فينا، و الكلام عائد في تلك الصور و كيفية حصولها لنا أهى بمجرد الاضافة او بالاتحاد معنا؟ فان كان بمجرد الاضافة فلا يحصل بواسطتها حصول و هكذا حتى يتسلسل، و ان كان بالاتحاد فهو المطلوب.

فهكذا القول في كل صورة مجردة عن المادة و عوارضها اذا اتحدت بالقوة العاقلة صيّرتها عقلا بالفعل لا بان العقل بالقوة يكون منفصل الذات عنها انفصال مادة الاجسام عن صورتها التى يلحقها، فان العقل بالقوة ان كان منفصلا عن الصورة المعقولة بالفعل و تعقلها، كان ينال منها صورة اخرى معقولة؛ و الكلام في [ب- 33] تلك الصورة كالكلام فيها، و هكذا ذهب الامر الى غير نهاية. و كل من انصف من نفسه يعلم ان النفس الجاهلة ليست في ذاتها كانفس التى صارت عالمة، و ليست الصور العلمية كالمال و العروض و الامتعة المنسوبة الى الشخص و لا كالاعراض التى تلحق و تزول و الموضوع على ما كان.

تنبيه‏

افتح بصرك الحسى الظاهر لظاهر الوجود، تجده ثابتا على الوصف الذى انتهى بصرك اليه، ثم أرخ جفنيك على بصرك، تجد الوجود قد انحجب عنك، و ليس الّا ستر جفنيك لعينيك، فحجابك انت «2» و منك، لم يتجدد للموجود ظهور و لا حجاب منه، كذلك بصيرة القلب اذا نوّرت بانوار العلم الملكوتى تشهد الملكوت‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 336

ثابت الوجود لم يتجدد عليه في نفسه متجدد، و اعبر بذلك الى سواء «1» الحقّ القائم بك، اذا غيبت انت عنه و كشفت عن حكم سرّيته شهدت وجودا متصلا بصفة الربانية التى هى [الف- 34] اتصالا لم يكن بعد ان لم يكن «2».

تنبيه ينبّه على معرفة فناء الدنيا و بقاء الآخرة

ان ما اوجده الحى الباقى فهو حى باق، و الدنيا و الآخرة موجودتان من الحى الباقى سبحانه، عن علمه ظهرتا، و بارادته تكوّنتا، و بمشيته و قدرته وجدتا، فلا فناء لشي‏ء منهما في الحقيقة، و انما احديهما خفيت او تخفى «3» بظهور الآخرة، و الآخرة اليوم موجودة قائمة بباطن الدنيا خفيّة بظهورها «4» خفاء الثمرة في الاكمام و الجنين فى بطن الحامل، و هى العالم الملكوتى الروحانى، و هى اسرار الموجودات الظاهرة الدنيوية، عنها تتنزل الاحكام لظاهر الوجود. فما كان في هذا العالم من العلوم و المعارف و الرسل و الكتب و الرحمة و البركة و الطاعة المشروعة و ما يشبهه فهو من آثار ظهور الجنة و باطن الامر؛ و ما كان من كفر و جحود و طغيان و دجال «5» و شياطين «6» مردة و سيئات و موذيات و مكروهات فهو من آثار ظهور النار في باطن الاشرار.

فلا يزال الامر كذلك- و هو سرّ توالج الوجود و تداخل العوالم المقدمة- الخلط الى ان يتم الكلمة و يكمل الدائرة، و يظهر ما سبق الحكم «7» به من ظهور الآخرة اذا انقلب الوجود و ظهر باطنه باحكامه المحققة و مراتبها المقررة و خفى ظاهره لاستيلاء ظهور باطنه «8» فبدت الحقايق الكليات و المعانى المتزوجات و الاسرار الخفيات بمعانى روحانيتها وسعة دوائرها و بسطة عواملها [ب- 34] و رجعت الفروع الى اصولها، و الجزئيات الى كلياتها؛ فما كان من سماوات علويات روحانيات نورانيات و ما ينزل عنها من رحمة كليات و تفضليات جنان فردوسيات‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 337

و عدنيات و انجمع اليها «1» ما كان بطريق الخلط و المزج مشاركا للثفليات السفليات و دركاتها السجّينيات «2» «ظلمات بعضها فوق بعض» «3»، طباق جهنّمات بما ظهر عنها مما ناسبها من الموذيات و المكروهات؛ قال اللّه تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ «4». فالتبديل بمعنى التقليب لخفاء الظواهر بظهور البواطن، بيّن ذلك بقوله: وَ إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ «5»، تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ‏

 «6». و لا عدم لما اوجده الحقّ القديم من الموجودات. و اللّه اعلم.

وارد تقديسى‏

التكلم صفة «7» نفسية مؤثرة، معناه انشاء الكلام، لانه مشتق من الكلم و هو الجرح، و هو الاعلام و الاظهار. فمن قال: «ان الكلام صفة المتكلم» اراد به المتكلمية. و من قال: «انه قائم بالمتكلم» اراد به قيام الفعل بالفاعل، لا قيام الصفة بالموصوف و المقبول بالقابل. و من قال: «ان المتكلم من اوجد الكلام» اراد من الكلام ما يقوم بنفسه المتكلم من حيث هو متكلم لا ما هو مبائن له مبائنة الكتاب للكاتب، و البناء للبناء.

و اول كلام «8» قرع اسماع الممكنات كلمة «كن»، فما ظهر العالم [الف- 35] الّا عن صفة الكلام، بل العالم عين الكلام، و اقسامه بحسب مقاماته في نفس الرحمن، كما ان الكلمات و الحروف الصوتية قائمة في نفس الانسان بحسب منازله و مخارجه.

فالغرض من المتكلم اولا ايجاد اعيان الحروف و انشاؤها من المخارج و هو

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 338

عين الاعلام؛ و اما ترتيب «1» الاثر على الامر و النهى و الاخبار و غير ذلك من التمنى و الترجى فهو مقصود ثان، و هذا ايضا في بعض ضروب الكلام، فان الكلام على ثلاثة اقسام: اعلى و اوسط و ادنى.

فاعلاها ما يكون عين الكلام مقصودا اصليا و لا يكون بعده مقصود آخر لشرف وجوده و تماميته و كونه غاية لا يكون فوقه غاية. و هذا مثل ابداعه تعالى المبدعات، و هى عالم الامر الكائن بامر «كن». فالغرض من انشاء «2» امر «كن» ليس سوى نفس ذلك الامر.

و اوسطها ما يكون لعين الكلام مقصود آخر، الّا انه يترتب عليه على اللزوم من غير تخلف، كامره تعالى للملائكة المدبرين في طبقات السموات و الارض بما لهم ان يفعلوا؛ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ «3». و ذلك لان او امر اللّه تعالى وصل اليهم اما بلا واسطة او واسطة امر آخر لا بواسطة الخلق و الّا لا مكن العصيان.

و ادناها ما يكون لعين الكلام مقصود آخر و «4» قد يتخلف عنه و قد لا يتخلف، و فيما لا يتخلف يمكن ان يتخلف «5» ايضا ان لم يكن له حافظ عاصم من الخطاء، و هذا كأوامر اللّه تعالى و خطاباته للمكلفين من الجن و الانس اجمعين بواسطة [ب- 35] انزال الكتب و ارسال الرسل و هما مخلوقتان. ففى هذا الخطاب و هذا الامر بالواسطة يحتمل الطاعة و العصيان، فمنهم من اطاع، و منهم من عصى؛ و مع عدم الواسطة لا سبيل الّا الطاعة.

فالاعلى من ضروب الكلام و الامر هو الامر الا بداعى و القضاء: وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ «6». و الاوسط هو الامر التكوينى و القدر: وَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ «7». و الادنى هو الامر التشريعى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً «8».

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 339

و كما علمت هذه الاقسام الثلاثة في الكلام الالهى، ففى الانسان الكامل لكمال نشأته الجامعة للنشئات الثلاث من الامر و الخلق و البرزخ المتوسط بينهما يوجد ايضا مثل هذه الاقسام، لكونه مثالا لباريه، هو «1» مخلوق على صورته و هو على بيّنة من ربه «2».

فاعلى ضروب الكلام له هو ما يكون عند تكلّمه مع اللّه و مخاطبته الروحانية، و هو تلقّى المعارف الالهية من لدن حكيم عليم. فتكليم اللّه اياه عبارة عن افاضة الحقايق الربانية على ذاته و مقارعته بها سمعه القلبى. و تكلّمه مع اللّه عبارة عن استدعائه الذاتى بلسان القابلية اياها عنه تعالى؛ و هكذا اذا بلغ درجة العقل البسيط الذى يصور النفس بتفاصيل صور المعقولات، فهو بما صار عقلا بسيطا من شأنه تصوير الحقائق قد صار جوهرا ناطقا بالعلوم الحقّة، متكلما بالمعارف الحقيقية، فليس [الف- 36] لكلامه هذا مقصود ثان غيره.

و الثانى عبارة عن امره و نهيه للاعضاء و الآلات الطبيعية، فيجرى حكم النفس على الاعضاء و الآلات الطبيعية سواء كانت داخلة او خارجة، فلا يستطيع كل من القوى و الاعضاء تمردا عن طاعة النفس و لا عصيانا لها فيما امرت به او نهيت عنه، فامرت العين للانفتاح انفتحت، و اذا امرت [للانقباض انقبضت‏].

 [تأييد عرشى‏]

قال الشيخ الكبير في الباب السادس و الستّون و ثلاثمائة «3»: «ان الحقّ اذا كان هو المتكلم عبده في سرّه بارتفاع الوسائط، فان الفهم يستصحب كلامه منك، فيكون عين الكلام منه عين الفهم منك لا يتأخر عنه فان تأخر عنه فليس هو كلام اللّه. و من لم يجد هذا فليس عنده علم بكلام احد «4» عباده. فاذا كلّمه بالحجاب‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 340

الصورى بلسان نبى او من شاء اللّه من العالم فقد تصحبه الفهم، و قد يتأخر [عنه‏].

هذا هو الفرق بينهما»، انتهى كلامه.

و فيه اشارة الى اعلى ضروب كلام اللّه. و للاشارة الى الضروب الثلاثة من كلامه سبحانه: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا. «1»

فالاول اشارة الى الكلام الحقيقى الذى يكون عين الكلام مقصودا حقيقيا و غاية اصلية لا يكون فوقه غاية اخرى. و الثانى اشارة [الى‏] كلام يكون المقصود منه شي‏ء آخر، لكنّه غاية عرضية «2» للكلام غير منفكة. و في كل من الضربين يكون الفهم [ب- 36] لازما، سواء كان عينا او غيرا. و الثالث اشارة الى ادنى الثلاثة، و هو الذى يكون لعين الكلام مقصود مبائن الذات عنه جائز التخلف متطرقا فيه الطاعة و العصيان، فمنهم من اطاع، و منهم من عصى «6».

 [184]: فى ان جميع الموجودات متوجهة نحو الاول تعالى متحركة اليه طالبة اياه. قال اللّه سبحانه: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا. إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَ نَراهُ قَرِيباً. يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ. وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ. وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً. «3»

و قال في سورة نوح عليه السّلام: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً. «4»

و قال في سورة الحاقّة: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ. وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً. فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ، وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ، يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ. فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ «5»- الى آخره.

سورة التغابن: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ‏

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 341

الْمَصِيرُ ... يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ «1».

سورة الروم: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ [الف- 37] إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ... يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، وَ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ. وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ... وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ... اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ [مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ‏] مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ... فَانْظُرْ إِلى‏ آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ وَ هُوَ عَلى‏كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ «2».

سورة لقمان: يا بُنَيَّ [إِنَّها] إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ [أَوْ] فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ... وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ [إِلَيَ‏] ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ «3».

يا مبدع العجائب و صانع الغرائب، اعنّى يا الهى على تهذيب النفوس من الغشاوة، و تنوير القلوب بنور الهداية. «4» [ب- 37].

                        مجموعه رسائل فلسفى صدر المتالهين، ص: 342

 [185]: قالت «1» الأطباء عند بيان سبب الموت الطبيعى انّه من جهة استيلاء الحرارة الغريزية على رطوبات البدن، و ان ما هو سبب الحياة هو بعينه سبب الموت، و مثلّوه بحرارة السراج و دهنها «2». و أنا اقول: بعد تحقيقنا لعروض الموت الطبيعى انّ ما هو سبب الموت هو بعينه سبب الحياة، و بقائها و كمالها بعكس ما ذكروه؛ لأن الحرارة في الأجسام النباتية و الحيوانية كلّما حلّلت المادة و لطفتها «3» اعدّها اللّه تعالى بانضياف مادة اخرى اليها بحرارة جديدة باستخدام القوة الغاذية، و هكذا الى ان كملت الصورة التي هي مخدومة هذه القوى بأفاعيلها، و استفيت «7» عن اصل تلك المادة امّا بمادة اخرى كالنفس النباتية من غير تناسخ، أو بذاتها و مبدأ بقائها كما في النفس الانسانية؛ و امّا ساير النفوس الحيوانية فيها سرّ «4» آخر «5».

 [186]: «6» و ممّا يدلّ على تجدّد الطبيعة و سيلانها كلام أمير المؤمنين- عليه السلام- في «نهج البلاغه»، قال: «اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه و احذّركم الدنيا، فانّها دار شخوص، و محلّة تنغيص، ساكنها ظاعن، و قاطنها بائن، تميد بأهلها ميدان السفينة، تقصفها العواصف في لجج البحار» «8»

                      

نوشتن دیدگاه


تصویر امنیتی
تصویر امنیتی جدید